كشف مصدر أمني عراقي أن الولايات المتحدة رفضت بشكل قاطع فتح قنوات تواصل مع الميليشيات المسلحة في البلاد، بعد أن استعانت بوسطاء، في محاولة لتلافي أي إجراءات مستقبلية ضدها، في ظل الضغط الأمريكي المتزايد بشأن ملف "حل الحشد الشعبي".
وأوضح المصدر لـ"إرم نيوز"، أن بعض الفصائل استخدمت وسطاء محليين وإقليميين لإيصال رسائل إلى واشنطن، تضمنت استعدادًا لتقليص أنشطتهم الميدانية والالتزام بقرارات الحكومة العراقية، مقابل ضمان عدم استهداف قادتهم.
ولفت المصدر إلى أن طلب الفصائل المسلحة قوبل بالرفض، حيث أكدت واشنطن "أن الحوار يتم حصرًا عبر مؤسسات الدولة في بغداد".
وأضاف أن "هذا الموقف ترافق مع تقارير أعدتها السفارة الأمريكية في بغداد، بشأن واقع تلك الميليشيات، إذ أكدت أن إبقاء هذه الكيانات بوضعها الحالي سيجعل العراق نسخة مكررة من التجربة اللبنانية، مع وجود (حزب موازٍ) يتقاسم سلطة الدولة".
ولفت إلى أن "أبرز هذه الفصائل الساعية إلى تنظيم موقفها هي (كتائب الإمام علي بقيادة شبل الزيدي، وكتائب بابليون بقيادة ريان الكلداني، وكتائب سيد الشهداء بقيادة أبو آلاء الولائي)".
ويأتي هذا التحرك بالتزامن مع تصاعد المؤشرات على احتمال تنفيذ ضربة أمريكية – إسرائيلية ضد الميليشيات المسلحة في العراق، في إطار سياسة الردع المزدوجة التي تعتمدها واشنطن وتل أبيب بعد الحرب الأخيرة مع إيران.
وتتصاعد ضغوط واشنطن منذ أشهر بشأن ملف الحشد الشعبي، حيث نقلت الإدارة الأمريكية للحكومة العراقية تحذيرات من المضي قدمًا بمشروع قانون جديد يعيد هيكلة الحشد ويمنحه امتيازات موسعة، معتبرة أن تمرير القانون في البرلمان سيُنظر إليه بوصفه تكريسًا للنفوذ الإيراني في العراق.
وانعكست هذه الضغوط على موقف الكتل السياسية، ما دفع إلى ترحيل مشروع القانون إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، رغم قراءته مرتين داخل مجلس النواب.
وأثار هذا التدخل خلافات داخل "مجتمع الميليشيات"، حيث كشف القيادي في "منظمة بدر" المقربة من إيران، قاسم الأعرجي، وهو يشغل منصب مستشار الأمن القومي العراقي، أنه قدم طلبًا شخصيًا بترحيل "قانون الحشد الشعبي" إلى الدورة النيابية المقبلة، في اعتراف لافت أثار تساؤلات واسعة حول حجم الضغوط الأمريكية، وحول قدرة الميليشيات على حماية مصالحها داخل النظام السياسي.
ويأتي هذا الموقف من شخصية تعدّ أحد أبرز الداعمين للحشد، ليؤشر – وفق مختصين - على إدراك داخلي بأن تمرير القانون في الظرف الحالي قد يفتح الباب أمام مواجهة مفتوحة مع واشنطن.
ومنذ أشهر، تلتزم الميليشيات المسلحة في العراق هدوءًا لافتًا، وأعلنت أغلبها الدخول في السباق الانتخابي المقبل عبر أجنحة سياسية، غير أنها لم تتخذ أي خطوات تجاه حل نفسها أو دمج عناصرها في المؤسسات الأمنية، بل أبقت على تنظيمها العسكري قائمًا.
من جهته، أكد المحلل السياسي محمد التميمي أن "محاولات بعض الفصائل العراقية فتح قنوات مع واشنطن تعكس إدراكها لجدية التهديدات الأمريكية، غير أن المعضلة تكمن في مدى استعداد هذه الميليشيات للاستجابة للقرارات الدولية والالتزام بخط الدولة، لا الاكتفاء بالمناورة أو تأجيل المطلوب منها".
وأوضح التميمي لـ"إرم نيوز" أن "الولايات المتحدة تدرك أن الحشد بات قوة متجذرة في المشهد العراقي، لكنها تراهن على تفكيكه من الداخل من خلال شق صفوف الإطار التنسيقي والضغط على الحكومة".
وأضاف أن "المعادلة التي تسعى واشنطن لترسيخها هي أن بقاء العلاقة مع بغداد مشروط بتراجع نفوذ الميليشيات، فيما أي محاولة لإعادة تقنين الحشد بشكل أوسع ستقابل بقرارات عقابية تطال شخصيات سياسية واقتصادية".
في المقابل، لا تزال قوى مثل ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي تتمسك بإقرار القانون، وترى أن التراجع عنه تحت ضغط أمريكي يمثل تنازلًا غير مبرر.
غير أن الانقسام داخل البيت الشيعي، إلى جانب التحذيرات الغربية، جعل موقف المالكي معزولًا، وأجبر الإطار التنسيقي على التوافق بشأن ترحيل المشروع، مع الإبقاء على خيار تعديله مستقبلًا ليكون أكثر قبولًا دوليًا.