كشف مصدر أمني عراقي أن "هيئة الحشد الشعبي" لعبت دوراً محورياً في استبعاد العشرات من المرشحين ضمن السباق الانتخابي ممن عرفوا بمواقفهم المعارضة لوجود الحشد في مؤسسات الدولة، وسط تحذيرات من "احتكار المشهد الانتخابي".
وأوضح المصدر الذي طلب حجب اسمه لـ"إرم نيوز" أن "ممثل هيئة الحشد الشعبي في اللجنة المشكلة لتدقيق أسماء المرشحين مارس ضغوطاً مباشرة، ورفع توصيات باستبعاد أسماء بعينها، بينها نواب سابقون وحاليون معروفون بخطابهم الحاد تجاه الميليشيات، رغم أن ملفاتهم خلت من مخالفات قانونية صريحة توجب الإقصاء".
وأضاف المصدر أن "النائب المستقل سجاد سالم كان أبرز من طالهم قرار الاستبعاد، رغم أنه لم يرتكب جريمة أو مخالفة تستوجب حرمانه من الترشح، لكن موقفه العلني من دمج الحشد داخل المؤسسة العسكرية الرسمية جعله هدفاً مباشراً للميليشيات".
ووفق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فقد شملت الاستبعادات لغاية الآن نحو 627 مرشحاً من انتخابات مجلس النواب المقبلة لأسباب متعددة.
وأوضحت المفوضية أن من بين هؤلاء 290 مرشحاً شملتهم إجراءات المساءلة والعدالة، و106 مرشحين بسبب القيود الجنائية، فيما توزعت بقية الحالات على ملفات تتعلق بالتزوير أو نقص الوثائق الدراسية.
وأدرج الحشد الشعبي ضمن الجهات المخوّلة بالتحقيق والتدقيق، في أسماء المرشحين لأول مرة، مع وزارتي التربية والتعليم والدفاع، وجهاز المخابرات ومستشارية الأمن الوطني ومجلس القضاء ومديرية الأدلة الجنائية، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات عن طبيعة دور كل من هذه الهيئات، وما إذا كانت قراراتها تحمل أبعاداً سياسية.
والنائب المستقل سجاد سالم، قادم من احتجاجات تشرين، ومثّل على الدوام صوتاً صريحاً ضد نفوذ الحشد والفصائل داخل الدولة، إذ أكد مراراً ضرورة دمج الحشد بالمؤسسة العسكرية الرسمية محذراً من أن بقاءه بشكل منفصل "يمثل ازدواجية خطيرة تهدد استقرار الدولة".
كما دخل في مواجهة علنية مع رئيس أركان هيئة الحشد (أبو فدك المحمداوي)، وأعلن أنه يرفض مصافحة "شخصيات فصائلية تلطخت أيديها بدماء شهداء تشرين".
ولم يقتصر الاستبعاد على سالم، بل شمل أسماء أخرى مثل النائب السابق ظافر العاني، الذي فجّر أزمة سياسية عام 2021 خلال جلسة للبرلمان العربي في القاهرة، حين اتهم الفصائل المسلحة بارتكاب "جرائم تهجير وقمع وتصفيات" بحق العراقيين.
أما السياسي البارز حيدر الملا، فقد عرف بانتقاداته الحادة للميليشيات منذ أكثر من عقد، إذ حذّر مراراً من "خطر الدولة الموازية"، وطالب بمحاسبة قادة الميليشيات باعتبارهم "يغطون على أجندات إيرانية تحت عباءة الدين والطائفة".
ومثّل إدراج اسمه ضمن قائمة المبعدين عن انتخابات بغداد صدمة لأنصاره، الذين اعتبروا أن القرارات لم تقتصر على معايير فنية، بل استهدفت شخصيات ذات مواقف سياسية واضحة ضد النفوذ الإيراني.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي محمد التميمي، إن "دخول هيئة الحشد الشعبي في ملف تدقيق أسماء المرشحين أفسد الأجواء الانتخابية وأدخلها في مناخ من التصفية السياسية".
وأوضح لـ"إرم نيوز" أن "بصمات الفصائل المسلحة واضحة في قرارات الاستبعاد، الأمر الذي يجعل الانتخابات المقبلة موضع شك، ويهدد بتحويلها إلى أداة لإعادة تدوير القوى المتنفذة بدل أن تكون وسيلة للتغيير والتداول السلمي للسلطة".
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا المسار سيؤدي إلى "انتخابات شكلية"، إذ يشعر الناخبون أن أصواتهم صودرت قبل أن تُترجم في صناديق الاقتراع، كما يخشى البعض أن يؤدي استبعاد شخصيات معارضة إلى تعزيز هيمنة الإطار التنسيقي والقوى المقرّبة من الميليشيات المسلحة على البرلمان المقبل.