يدخل الملف النووي الإيراني مرحلة وُصفت بأنها الأخطر منذُ أكثر من عقدين، وسط تصاعد التوتر بين طهران والغرب، وتعثر المفاوضات الدبلوماسية، التي كان يُعوّل عليها لتخفيف حدة الأزمة.
ففي الوقت الذي تواصل فيه إيران التمسك بخيار تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، وتوسيع قدراتها النووية، تلوّح الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بخيارات بديلة للمسار الدبلوماسي، تشمل إعادة فرض عقوبات دولية مشددة عبر تفعيل "آلية الزناد" المنصوص عليها في الاتفاق النووي المبرم العام 2015، وقد عزز هذا المشهد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى دوامة جديدة من التصعيد.
ورغم محاولات وسطاء إقليميين ودوليين إحياء الحوار، فإن الخلافات الجوهرية لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بضمانات إيران بعدم العودة إلى مسار إنتاج سلاح نووي، مقابل رفع كامل للعقوبات.
وتشير مصادر دبلوماسية إيرانية لـ"إرم نيوز" إلى أن أي اتفاق جديد يواجه عقبة انعدام الثقة بين الطرفين، خاصة بعد الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، إضافة إلى الضغوط الداخلية في طهران التي تعوق تقديم تنازلات حاسمة.
وأضافت المصادر أن "الملف النووي لم يعد محصوراً بالبعد الإيراني-الغربي فقط، بل بات جزءاً من معادلة إقليمية معقدة تشمل إسرائيل التي تلوّح بخطوات أحادية لمنع طهران من مواصلة نشاطها النووي السلمي، إضافة إلى دول المنطقة التي تراقب التطورات بحذر لما قد تحمله من انعكاسات مباشرة على أمنها واقتصادها".
وبحسب المصادر، فإن "هناك وساطة لدول في المنطقة حصلت في الأيام الماضية بين إيران والدول الأوروبية والولايات المتحدة للوصول إلى تفاهم يعوق تفعيل آلية الزناد لإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران لكن هذه المساعي لم يكتب لها النجاح".
وبيّنت "أن الملف النووي أمام 3 مسارات محتملة، هي عودة مشروطة للمفاوضات في حال تدخل وسطاء دوليين بنجاح لردم فجوة الثقة، أو تصعيد تدريجي تشمل عقوبات إضافية، وتضييق اقتصادي وسياسي على طهران، أو مواجهة مفتوحة قد تبدأ بعمليات محدودة، وتتصاعد نحو صراع أوسع في المنطقة".
بدوره قال محسن باك آیین، السفير الإيراني السابق لدى أذربيجان، إن تفعيل ما يُعرف بـ"آلية الزناد" لن يضيف أي ضغوط جديدة على طهران، مؤكداً أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد استنفدا جميع خيارات العقوبات المتاحة ضد إيران.
وأوضح لـ"إرم نيوز" أن أقصى ضغط واجهته إيران تمثّل في التهديد بالعمل العسكري، لكنه لم يحقق أي نتيجة، مشيراً إلى أن العقوبات التي قد تُفرض عبر مجلس الأمن لن تكون أشدّ من تلك التي تطبقها واشنطن والعواصم الأوروبية منذ سنوات.
ولفت باك آیین إلى أن الإدارة الأمريكية وصلت إلى حد الاتصال المباشر بشركات صغيرة في الصين للضغط عليها من أجل وقف التعاون مع إيران، مضيفاً: "إذا كانوا قد لجأوا إلى هذا المستوى من التضييق، فما الذي يمكنهم فعله أكثر من ذلك".
وأشار إلى أن كل الطرق التي اتبعتها واشنطن وحلفاؤها لإخضاع طهران باءت بالفشل حتى الآن، مؤكداً أن سياسة الضغط القصوى لم تغيّر من مواقف إيران في ملفاتها الإستراتيجية.
من جهته، قال الباحث في الشؤون الدولية إبراهيم متقي إن قرار بريطانيا وفرنسا وألمانيا تفعيل آلية "سناب باك" ضد إيران جاء استنادًا إلى القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن، وبذريعة ما وصفته هذه الدول بـ"الانتهاكات الجسيمة" للالتزامات النووية الإيرانية.
وأوضح لـ"إرم نيوز" أن هذا المسار، في حال استُكمل حتى النهاية، سيؤدي إلى إعادة فرض جميع العقوبات الأممية الملغاة على طهران خلال 30 يوماً، وهو ما يعني قيوداً واسعة على القطاعات المالية والطاقة والدفاع، فضلاً عن ضغوط غير مسبوقة على الاقتصاد الإيراني.
وشدّد متقي على أن وزارة الخارجية الإيرانية تعتبر هذه الخطوة "خالية من أي أساس قانوني"، مؤكدة أن الدول الأوروبية الثلاث نفسها لم تفِ بتعهداتها في الاتفاق النووي، ولذا "لا تملك الصلاحية القانونية" لتفعيل هذه الآلية. كما حذّرت طهران من أن القرار الأوروبي قد يؤدي إلى تعطيل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإغلاق مسار الدبلوماسية.
وأشار إلى أن إيران بصدد تقديم رد رسمي قريباً، مرجّحاً أن يتضمن مزيجًا من المواقف السياسية والإجراءات الردعية، كما لفت إلى أن "عودة العقوبات الأممية لن تضع الاقتصاد الإيراني فقط تحت ضغوط قاسية، بل قد تزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي الإقليمي".
وذكر متقي أن روسيا والصين أبدتا رفضهما لهذه الخطوة الأوروبية، داعيتين إلى استمرار الحوار، فيما لا تزال الوكالة الدولية للطاقة الذرية تأمل في الحفاظ على أجواء تفاوضية.
ونوّه إلى أن الأشهر المقبلة قد تكون "الأكثر حساسية في تاريخ الملف النووي الإيراني"، حيث يتقاطع فيها مسارا الدبلوماسية والتصعيد بشكل متزامن، الأمر الذي يجعل مستقبل هذا الملف مفتوحًا على جميع الاحتمالات.
في المقابل، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن هذه الخطوة "تفتقر لأي أساس قانوني"، مذكّرة بأن الدول الأوروبية نفسها "أخلّت بتعهداتها في الاتفاق النووي"، ولذا لا تمتلك الأهلية لتفعيل هذه الآلية.
وشددت في بيان رسمي على أن إعلان الترويكا الأوروبية أمام مجلس الأمن "باطل، بلا أثر قانوني، ويمثل استغلالاً سياسياً لآليات الاتفاق النووي والقرار 2231".
من ناحيته، وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي القرار الأوروبي بأنه "غير مبرر وغير مشروع"، مؤكدًا أن طهران سترد عليه "بالشكل اللازم" للحفاظ على "حقوقها ومصالحها الوطنية".
وأشار إلى أن إيران التزمت، طوال السنوات الماضية، بسياسة "النية الحسنة وضبط النفس" من أجل الحفاظ على المسار الدبلوماسي، محمّلاً الولايات المتحدة مسؤولية الانهيار بعدما انسحبت من الاتفاق العام 2018، وأعادت فرض العقوبات.
من جهة أخرى، أبدت روسيا والصين اعتراضهما الواضح على المسار الذي اتخذته العواصم الأوروبية الثلاث، مؤكدتين أن هذه الخطوة تتجاهل الإجراءات الملزمة في آلية حل النزاعات داخل الاتفاق النووي، وأكدتا دعمهما لاستمرار "المفاوضات والدبلوماسية" بدل التصعيد.
أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورغم قلقها المتزايد من تدهور الوضع، فإنها لا تزال تأمل إبقاء باب الحوار مفتوحًا، محذّرة من أن انهيار قنوات التعاون سيعقّد عمليات التفتيش والمراقبة.