بعد شد وجذب وجولات من المفاوضات بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بنظرائه في الترويكا الأوروبية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا)، جاء اجتماع جنيف يوم الثلاثاء أقل تمثيلًا، حيث اقتصر على مساعدي وزراء الخارجية، لكن إعلان دول الترويكا تفعيل آلية الزناد ضد طهران اعتبارًا من اليوم كشف أن الطرفين وصلا إلى طريق مسدود.
ويثير هذا الإعلان تساؤلات بشأن الخطوة التالية، وما إذا كان باب الدبلوماسية بين الطرفين قد وصد، وما خيارات إيران التي لوحت مرات عدة برد قاس حال تفعيل آلية "سناب باك"؟
قرار الترويكا وإن كان متوقعًا، إلا أن توقيته يطرح الكثير من علامات الاستفهام، ليس أقلها أنه جاء مباشرة عقب اجتماع جنيف الذي خفض فيه الطرفان مستوى التمثيل إلى نواب وزراء الخارجية، والذي يرى محللون أنه كافٍ لدول الترويكا للتأكد من أن طهران عادت لأسلوب المماطلة في التفاوض وشراء الوقت، وهو ما كشف إقحام الوفد الإيراني لملف سلاح حزب الله ضمن أجندة الاجتماع، وفق ما نقلت مصادر خاصة لـ"إرم نيوز".
وبحسب موقع "أكسيوس"، أبلغ وزراء خارجية "الترويكا" الأوروبية الثلاثة، نظيرهم الأمريكي ماركو روبيو بنيتهم تفعيل آلية العقوبات اليوم الخميس، مبررين القرار بقناعتهم أن طهران تنتهك التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، وليست جادة في التفاوض.
ورغم قرارها إلا أن دول الترويكا، شددت على أن إطلاق عملية إعادة فرض العقوبات لا تعني نهاية الدبلوماسية، وأن ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، ستظل منفتحة على التواصل مع إيران في الأسابيع التي تسبق سريان العقوبات بعد 30 يومًا من الآن.
وقال الدكتور محمد عباس ناجي، خبير الشؤون الإيرانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن إعادة تفعيل آلية الزناد تكشف أن دول الترويكا غير واثقة من أن الاجتماعات مع الإيرانيين ستؤدي إلى نتيجة إيجابية في نهاية المطاف، مؤكدًا أن القرار "يحمل رسالة جادة من الدول الثلاثة لطهران بأنها لن تستمر في مفاوضات لا طائل من ورائها، وأنه يمكنها اتخاذ إجراءات مباشرة لتفعيل آلية الزناد حتى مع استمرار هذه الاجتماعات".
وأضاف ناجي، في تصريح خاص لـ"إرم نيوز": "لم يعد هناك وقت كاف للمفاوضات بين الطرفين باعتبار أن موعد الـ 18 أكتوبر المقبل يقترب بشدة وعملية تفعيل سناب باك تحتاج إلى شهر داخل مجلس الأمن"، مشددًا على أن قرار الترويكا ستكون له تأثيرات قوية على إيران وتفرض عليها مزيدًا من الضغوط، خاصة أن طهران تتعرض لعقوبات أمريكية، وفي حالة تفعيل سناب باك سيكون عليها مواجهة عقوبات أمريكية ودولية في الوقت نفسه".
ومن جانبه، اعتبر الصحفي الإيراني علي عباس موسوي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "قرار الترويكا لم يكن مفاجئًا، لأن الاجتماعات مع الدول الثلاثة لم تكن الآمال عليها كثيرة"، مؤكدًا أن "الإيرانيين كانوا يذهبون لاجتماعات الترويكا باعتبار أنهم بريد نقل رسائل أمريكا لإيران، والعكس".
وأشار موسوي، إلى أن "الكثير من الإيرانيين كانوا ينتظرون إلى اجتماعات بلادهم مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، كما لو كانت مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن، وهو ما يفسر غياب زخم المفاوضات النووية خلال الفترة التي أعقبت الحرب".
ورغم تأكيد المسؤولين الإيرانيين عدة مرات أنهم سيردون بقسوة في حال تفعيل آلية الزناد، إلا أن هذا التهديد أصبح اليوم على المحك، وفي هذا السياق، يرى الدكتور محمد عباس ناجي، أن "رد الفعل الإيراني المتوقع على تفعيل آلية الزناد لن يكون أكثر من التهديد بممارسة ضغوط على دول الترويكا الأوروبية للتراجع عن تفعيل الآلية".
وأشار الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن "خيارات إيران محدودة جدًا لأن كل الخيارات المتاحة أمامها عالية الكلفة في وقت تواجه فيه طهران ضغوطًا شديدة على المستويات كافة فيما يتعلق بتقليص مستويات التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الانسحاب من معاهدة الانتشار النووي على سبيل المثال، كما يطالب بعد أعضاء البرلمان الإيراني".
وشدد ناجي، على أن "أهم ورقة تملكها إيران هي إغلاق مضيق هرمز، لكنه مكلف جدًا لها، لذلك الخيارات ضيقة أمام الإيرانيين ولا أتصور أنها تستطيع أن ترد بشدة على قرار الترويكا تفعيل آلية الزناد".
أما الصحفي الإيراني علي موسوي، فيرى أن التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإيرانيين "تظهر أن طهران غير مكترثة بقرار الترويكا، لأنها ترى أن الأوروبيين ليسوا في وضع قانوني يسمح لهم بتفعيل آلية الزناد، ولا يوجد أساس قانوني لمثل هذا الإجراء".
وتوقع موسوي، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "تقدم طهران خلال الفترة التي تسبق موعد 18 أكتوبر تنازلات لدول الترويكا، رغم أنها تتهم الأوروبيين بعدم الوفاء بالتزاماتهم ضمن اتفاق عام 2015"، مشيرًا إلى أن "إيران ستبقى في التفاوض حتى آخر لحظة".
وفي الوقت الذي، يعد فيه بعض المراقبين أن تفعيل آلية الزناد من قبل الترويكا هدفه الضغط على إيران، إلا أن هناك من يتخوف من أن تكون هذه الخطوة مقدمة لاندلاع موجة جديدة من الصراع مع إيران.
وأكد الدكتور محمد عباس ناجي أنه "لا يمكن أن نستبعد فرضية أن يكون تفعيل سناب باك مقدمة للحرب، كما حدث في الجولة الأولى من الحرب الإسرائيلية الإيرانية، التي شنتها إسرائيل بعد يوم واحد من انتهاء مهلة الـ60 يومًا التي منحها الرئيس ترامب لإيران للمفاوضات.
وأوضح محمد عباس ناجي، أن "تفعيل سناب باك قد يمنح فرصة لإسرائيل باستخدام الخيار العسكري مجددًا، وأنا أعتقد أن هذا الخيار حتى ولو لم يتم في وقت قريب، فهو مطروح بقوة في كل الحالات لأن الخلافات العالقة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة ليست هامشية، ولا يمكن تسويتها بسهولة، سواء في البرنامج النووي أم البرنامج الصاروخي أم النفوذ الإقليمي وغيرها من مواطن الاختلاف".
أما علي موسوي، فأكد أن هناك في إيران ما يشبه "الاستعداد للحرب"، فكل المسؤولين الإيرانيين، سياسيين وعسكريين، يتحدثون عن جاهزية تامة للدخول في حرب جديدة ضد إسرائيل".
وشدد موسوي على أن كل الخيارات متوقعة، وفي أسوئها اندلاع جولة ثانية من الحرب، متوقعًا أن "تكون مختلفة فهذه المرة ـ إن اندلعت ـ حيث سيغيب عنها عنصر المفاجأة التي حدث في حرب 13 يونيو، على اعتبار أن كلًا من إيران وإسرائيل جاهزتان الآن للصدام"، على حد تعبيره.