أشعلت القرارات الأخيرة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، والتي تضمنت الانسحاب الفوري وغير المشروط لقوات الانتقالي الجنوبي من حضرموت والمهرة، أزمة داخل المجلس، وسط أنباء عن تحركات من قبل عدد من قياديي المجلس للإطاحة بالعليمي من منصبه.
وكشفت مصادر يمنية مطلعة، عن تحركات سياسية لقيادات جنوبية للدفع نحو إقالة العليمي، موجهة له اتهامات مباشرة بالانقلاب عمليا على روح الإعلان الدستوري، عبر قرارات انفرادية عمقت الشرخ داخل الشرعية وهددت بتفجير صراع داخلي جديد.
وقال المصادر لـ"إرم نيوز" إن مجلس القيادة الرئاسي، منذ فترة طويلة، لم يعد يعمل كهيئة جماعية فاعلة، الاجتماعات متوقفة، والقرارات المصيرية تتخذ من خارج آليات التوافق أو التصويت المنصوص عليها.
وتصف المصادر ما صدر من قرارات من العليمي مؤخرا، بأنه "تعطيل متعمد للمؤسسة"، دفع بالشرعية إلى مأزق غير مسبوق، وجعل قراراتها موضع تشكيك قانوني وسياسي.
وذهبت قيادات جنوبية إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن قرارات العليمي الأخيرة أسقطت عنه صفة التوافق، وأثبتت – بحسب توصيفها – عدم أهليته للاستمرار في رئاسة المجلس.
هذا الموقف عبر عنه بوضوح 4 من أعضاء مجلس القيادة، يتقدمهم عيدروس الزبيدي، إلى جانب فرج البحسني وعبدالرحمن المحرمي وطارق صالح، الذين حملوا العليمي مسؤولية قرارات "غير دستورية" تخالف إعلان نقل السلطة، وتسيء لعلاقات اليمن الإقليمية.
تقسيم النفوذ
ويرى محللون يمنيون أن إصدار قرارات سيادية وعسكرية في ظل غياب المجلس لا يفتقر فقط إلى السند القانوني، بل يهدد بإعادة إنتاج صراعات داخل معسكر الشرعية نفسه، في وقت تقرع فيه "طبول الحرب" من مأرب إلى حضرموت.
بحسب شخصيات سياسية مطلعة، فإن ما أقدم عليه العليمي وضع مجلس القيادة الرئاسي بأكمله أمام اختبار وجودي.
ومع ذلك، يؤكد هؤلاء أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" أبدى مرونة واضحة، وتعامل بإيجابية مع دعوات التهدئة، شريطة أن تقوم على أساس تأمين محافظات الجنوب وعدم استخدامها كساحة لتصفية حسابات سياسية.
في المقابل، يرفض المجلس الانتقالي، وفق هذه المصادر، أي تهدئة تبقي قيادات "غير فاعلة ميدانيا" وتجمد المعركة الحقيقية ضد الحوثيين، معتبرا أن مثل هذا السيناريو يفتح الباب أمام تقسيم النفوذ بدل استعادة الدولة.
الانتشار العسكري في حضرموت والمهرة
وفي قلب الأزمة، يبرز ملف الانتشار العسكري في حضرموت والمهرة، مصادر محلية أكدت أن القوات الجنوبية الموجودة في هذه المحافظات ليست طارئة ولا غريبة، بل قوات حكومية شاركت في المعركة ضد الحوثيين والجماعات الإرهابية، ولها سجل طويل في تأمين الوادي والصحراء وقطع خطوط تهريب السلاح والمخدرات.
وتربط هذه المصادر بين الوجود العسكري الجنوبي ومتطلبات المعركة الاستراتيجية ضد الحوثيين، مشيرة إلى أن وادي حضرموت والمهرة شكلا في السابق شرايين إمداد رئيسية للجماعة، وهو ما يجعل تأمين هذه المناطق مسألة دفاعية لا سياسية.
وبعيدا عن الصدام السياسي، تكشف الأزمة عمق الفشل في إدارة الملفات الحيوية. مصادر اقتصادية تؤكد أن المجلس أخفق في وقف تدهور العملة وتحسين الخدمات، كما فشل في توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة.
ويصف مراقبون المجلس بأنه “بلا برنامج عمل ولا أهداف قابلة للقياس”، وأن صراعاته الداخلية تحولت إلى معركة نفوذ وثروة، لا مشروع دولة.
شارع الجنوب يدخل المعادلة
بالتوازي مع التصعيد السياسي، شهدت محافظات المهرة وشبوة وحضرموت حراكا جماهيريا واسعا، عبّر عن رفض القرارات الأحادية، ودعم بقاء القوات الجنوبية لتأمين المناطق ومنع عودتها كممرات للفوضى.
وتعتبر مصادر محلية أن هذا الزخم الشعبي يعكس انتقال الأزمة من كواليس السياسة إلى الشارع، ما يزيد الضغوط على العليمي ويُسرع الحديث عن سيناريوهات الإطاحة أو إعادة ترتيب قيادة المجلس.