يرى خبراء أن الوجود العسكري التركي في سوريا يحظى بمبررات استراتيجية تتجاوز محاربة حزب العمال الكردستاني، إذ تراه أنقرة عمقا حيويا لأمنها القومي، مشيرين إلى أن أنقرة تستغل الفراغ الدولي والتراجع الروسي لتعزيز نفوذها عبر قواعد عسكرية طويلة الأمد.
وذهب الخبراء في تحليلهم إلى أن تركيا تسعى لمنع قيام كيان كردي مستقل، وتأمين مصالحها الاقتصادية، مستبعدين انسحابها حاليا بسبب هشاشة الوضع السوري.
وقال أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والعلاقات الدولية في جامعة دمنهور، محمد رفعت الإمام، إن تركيا كانت من أبرز الفاعلين الإقليميين المناهضين لنظام بشار الأسد، وكانت المستفيد الإقليمي الأكبر بعد سقوطه.
وأكد في حديث لـ"إرم نيوز"، أن تركيا تنظر إلى سوريا باعتبارها عمقا حيويا جيواستراتيجيا طبيعيا، سواء في إطار "استراتيجية العالم التركي" أو ضمن مشروع "العثمانية الجديدة".
وأشار إلى أن أنقرة تسعى لأن تكون لاعبا إقليميا محوريا في سوريا، مستفيدة من تراجع النفوذ الروسي، والدعم الأمريكي، وحصار إيران، وغياب موقف عربي موحد، وهو ما يدفعها لمحاولة "هندسة" النظام السوري الجديد بما يخدم مصالحها العليا، والتي تتوزع على عدة أبعاد.
وقال إن أنقرة أبرمت اتفاقية دفاع مشترك مع دمشق تتضمن إنشاء قواعد عسكرية في وسط البلاد، في خطوة تهدف إلى تعزيز وجودها العسكري وتمديد أمده.
وبيّن أن الخطر الأكبر بالنسبة لتركيا يتمثل في المشروع الكردي شرق الفرات، إضافة إلى سعيها للسيطرة على ثروات الغاز في شرق المتوسط، إلى جانب مصالح اقتصادية أخرى.
وأوضح أن بناء قواعد عسكرية في سوريا يمثل حجر الأساس لاستراتيجية التمدد التركي في الشرق الأوسط، خاصة بعد التمركز التركي في ليبيا والصومال، وعلاقاتها المتنامية مع بعض الدول.
أما من ناحية المخاطر الإقليمية، فقال إن أنقرة تعمل على تفكيك ما تعتبره "الخطر الكردي"، مشيرا إلى أن المعضلة الكردية تمثل هاجسا تاريخيا للإدارة التركية منذ معاهدة لوزان عام 1923.
وقال :" رغم العداء بين أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، إلا أن تركيا، تحت تأثير واشنطن، تحاول دمج الأكراد ضمن مؤسسات الدولة السورية الموحدة، إضافة إلى تفكيك حزب العمال الكردستاني، الذي يسعى زعيمه عبدالله أوجلان إلى تحييده عن الخسائر المتواصلة بعد تغيّر المشهد السياسي في الشرق الأوسط، لاسيما مع سقوط سوريا وتراجع النفوذ الإيراني".
وأشار الإمام إلى أن تركيا تسعى لملء الفراغ الجيواستراتيجي الناتج عن انسحاب واشنطن من سوريا، ما سيؤدي إلى تحولات كبيرة تتعلق بمستقبل قوات قسد، ومصير محاربة تنظيم داعش، وتنامي الدور التركي، وهو ما قد يثير قلق إسرائيل.
بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش أن الوجود العسكري التركي في سوريا لا يقتصر على قضيتي حزب العمال الكردستاني وملف "قسد"، مشيرا إلى أن هذين الملفين لم يتم حسمهما بشكل نهائي حتى الآن.
وأضاف في تصريح لـ "إرم نيوز" أن تركيا لا يمكن أن تفكر في سحب قواتها من سوريا قبل التوصل إلى حل جذري لملف "قسد"، خصوصا في ظل المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، حيث تحاول القيادة الجديدة بناء قدرات أمنية وعسكرية لإدارة الدولة، إلا أن هذه القدرات ما زالت محدودة وتحتاج إلى وقت للنضج.
وأوضح أن انسحاب تركيا في هذا التوقيت قد يخلق فراغا أمنيا يشكل تهديدا مباشرا لأمن كل من سوريا وتركيا، لافتا إلى أن أنقرة تسعى لترسيخ وجودها عبر إنشاء قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية، ما يشير إلى أنها لا تفكر في الانسحاب الكامل، بل تطمح إلى توقيع اتفاقيات تتيح لها وجودا طويل الأمد.
وأشار علوش إلى أنه مع بدء مرحلة استقرار سوريا، من المتوقع أن يتغير نمط الدور التركي، غير أن الوجود العسكري الحالي مرتبط بتداخلات دولية وإقليمية معقدة، وأن أنقرة تأخذ هذه الديناميكيات بعين الاعتبار عند صياغة سياستها في الملف السوري.