يرى خبيران في الشأن التركي أن نفي أنقرة للقاء مسؤوليها مع قائد "قسد" مظلوم عبدي، يأتي في سياق سياسة تركية مزدوجة، حيث تواصل المفاوضات سراً بينما ترفضها علناً.
ويفسّر الخبراء هذا الموقف بالمخاوف التركية من منح الأكراد صفة "الندية" في المفاوضات، ما قد يضعف موقف الرئيس أردوغان داخلياً أمام معارضيه، وفق قولهم.
وتستمر اللقاءات بين الطرفين بعيداً عن الأضواء، بدعم أمريكي واضح يسعى لمنع أي تصعيد في المنطقة، ويبرز السبب الرئيس لهذا الموضوع في التناقض بين سعي تركيا إلى كسب ورقة ضغط ضد الأكراد، وخشيتها من أي اعتراف ضمني بشرعيتهم التفاوضية التي قد تعزز مطالبهم الحقوقية.
وقال الباحث السياسي والمتخصص في الشؤون التركية، سركيس قصارجيان إن تركيا لاتزال تحاول سحب "قسد"، والإدارة الذاتية، وأيضاً الأكراد في الداخل التركي، إلى التفاوض تحت النار، بمعنى أنها تبدي رسائل إيجابية من جهة، ولكن من جهة أخرى تحاول استخدام الأوراق كافة التي تمتلكها للضغط على هذه الأطراف.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن عملية الضغط هذه تنطلق من الهواجس التركية وفق تعبيره، لأن أكثر ما يخيف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم، أن يحاول الأكراد مفاوضته من مبدأ "الندية" أو على الأقل من مبدأ وجود مطالب وحقوق لهم، وهذا سيضعف أردوغان، وسيتسبب بدفع تيار قوي جداً من المعارضين له.
وأشار إلى أن أنقرة تقول إنها ترفض التفاوض، ولكن هناك مفاوضات جارية، فقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، وقبله ممثلة دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلهام أحمد في منتدى السليمانية أعلنت أن هناك لقاءات مباشرة بين الجانبين.
وأوضح أن السياسات الأمريكية في المنطقة واضحة؛ فالسفير الأمريكي في تركيا، وممثل ترامب في سوريا، يتحدث عن عبثية "سايكس بيكو"، وبالتالي هو يرسم لحقبة جديدة قائمة على التنسيق على الأقل بين مختلف الأطراف المتناقضة في المنطقة.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة لا تنتظر بأن هذه الأطراف تتشارك وتنسى خلافاتها وتتحد، ولكنها في الوقت ذاته، تقول للجميع إن عليكم لكي تكونوا جزءًا من الرؤية الأمريكية للمنطقة والشرق الأوسط الجديد، أن تكونوا فاعلين في هذه الخريطة الجديدة، ويجب أن تكونوا على حد أدنى من الوفاق الذي يمنع الصدام الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة.
وختم بقوله، إن الجميع يحاول تحت هذا السقف، الحصول على أكبر قدر ممكن من هوامش التحرك سياسياً والنفوذ الميداني والعسكري، وهوامش الربح الاقتصادي.
من جهته، قال المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون التركية، إبراهيم كابان إن تركيا بطبيعتها لا تريد أن تظهر للرأي العام الداخلي التركي على أنها ضعيفة، لأن اللقاء عندما يكون على مستوى وزراء الخارجية فهذا يعني أن هناك اعترافاً ضمنياً بقوات سوريا الديمقراطية.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن قوات سوريا الديمقراطية بدورها نفت، يوم أمس، الخبر بشكل رسمي، ما يعني أن هناك محاولات أمريكية، وهناك لقاءات شبه أسبوعية بين الطرفين، مشيراً إلى الجنرال مظلوم عبدي لم ينفِ، وكذلك الأتراك، وهناك لقاءات، أساساً، تُجرى بين الطرفين.
وأردف قائلاً: إن تركيا تريد أن تستمر هذه اللقاءات، لكن بعيداً عن الإعلام التركي والسوري، خاصة لدى القاعدة المؤيدة لها من الطرفين لكي لا تظهر بموقف الضعيفة، وهي من تدفع باتجاه الحوار، لكن الحقيقة أن الاجتماعات مستمرة مع قوات قسد والإدارة الذاتية، وبعضها جرى داخل تركيا، والبعض الآخر داخل مدينة تل أبيض، وذكرتها وسائل الإعلام الرسمية، والولايات المتحدة كانت دقيقة في هذه المسألة.
وأوضح أن الولايات المتحدة تلعب دوراً مهماً جداً في تقريب المواقف بين الجانبين، وفيما يبدو أن هناك مزاجاً أمريكياً عاماً لإنهاء هذه المشكلة بين تركيا وأكراد سوريا، إلا أن هناك دوراً سرياً تحاول تركيا فرضه، لكن قوات قسد لم تتلقَ دعوة لمقابلة مسؤولين أتراك، إنما في المستقبل هناك إمكانية لعقد مثل هذه اللقاءات.
وأشار إلى أن التقارب الأخير والحوار مع دمشق، والدور الأمريكي، والنوايا التركية، تهيئ الأرضية لأن يَنْتُجَ، مستقبلاً، نوع من الاتفاق أو الظهور العلني لهذه اللقاءات، على حد قوله.