كشفت مصادر لبنانية مطلعة، لـ "إرم نيوز" أن الجيش الإسرائيلي أبلغ أطرافا دولية بأن أي حرب مقبلة ضد حزب الله لن تقتصر على الغارات والاغتيالات، بل ستتضمن عملية برية واسعة تمتد لعدة كيلومترات داخل الحدود اللبنانية، مع نية واضحة لـ"التمركز وعدم الانسحاب السريع".
وتؤكد هذه المصادر أن المعطيات الميدانية الأخيرة - من تعقيد شبكة الأنفاق إلى استهداف قادة الصف الأول - ليست سوى "تهيئة لمسرح عمليات برية يجري التحضير لها منذ أشهر".
الأنفاق.. سبب مباشر
يقول مصدر عسكري لبناني مقرب من دوائر صنع القرار في لبنان لـ "إرم نيوز"، إن جزءا أساسيا من تقديرات الجيش الإسرائيلي يرتبط بما يسمّيه "تعقيد شبكة الأنفاق" في الجنوب، في إشارة إلى البنية التحصينية العميقة التي أنشأها حزب الله خلال السنوات الأخيرة، وتشمل ممرات تحت الأرض متعددة المستويات، وغرف عمليات، ومخازن سلاح، وممرات تربط بين القرى الأمامية والخلفية.
ويُنظر إلى هذا التعقيد كأحد الأسباب الرئيسية التي تدفع إسرائيل للتفكير بعمل بري، لأن الضربات الجوية وحدها لا تكشف هذه الشبكات ولا تعطلها بصورة كاملة، ما يجعل السيطرة الأرضية ضرورة من منظور القيادة الإسرائيلية، وفقا للمصدر. مشيرا إلى أن "عقيدة الجيش الإسرائيلي الجديدة تقوم على إنشاء واقع أمني جديد جنوب الليطاني، بحيث لا تعود قرى الشريط الحدودي صالحة لعمل الحزب، ولا حتى لعودة كاملة للسكان".
هذه التسريبات تتوافق مع ما قاله وزير الخارجية المصري سامح شكري في اجتماعه الأخير في بيروت، حين حذر من أن القرار الإسرائيلي بشن الحرب متخذ، والنقاش يجري حول التوقيت فقط، وأن إسرائيل "لن تكتفي بالعدوان الجوي، بل ستتجه لعملية برية قد تبقى نتائجها قائمة لفترة طويلة".
حزام أمني جديد.. مخطط التمركز
المصدر العسكري اللبناني يرجّح أن خطة التوغل الإسرائيلية ستقوم على شقين؛ حزام أول مباشر بعمق 3–5 كلم من الناقورة حتى مزارع شبعا، بطول يقارب 100 كلم ومساحة تتراوح بين 350 و500 كلم². الهدف منه، وفق المصدر، هو تدمير القرى الأمامية كليا أو جزئيا، ومنع عودة أي وجود عسكري أو لوجستي لحزب الله. وحزام ثانٍ انتقائي أعمق يمتد نحو بنت جبيل، مارون الراس، عيترون، ميس الجبل، رميش، حولا، والعرقوب.
وفقا للمصدر العسكري، هذا الشريط لا يعتمد على احتلال كامل القرى، بل على السيطرة على التلال والطرق والمواقع الاستراتيجية، عبر إقامة نقاط تمركز ثابتة ونقاط مراقبة، بأسلوب مشابه لما تفعله إسرائيل في غزة حالياً في "الحزام الأمني" على طول الحدود.
ويوضح أن "إسرائيل ستعتمد نموذج التثبيت المتدرج"، أي إقامة نقاط تواجد دائمة، ثم ترك قدرة مناورة للعمق اللبناني عند الحاجة. وهذا الأسلوب، وفق المصدر، "هو المقصود من مصطلح السيادة الأمنية لإسرائيل".
قرار الحرب متخذ.. والتنفيذ مسألة وقت
القراءات الإسرائيلية والغربية تدعم ما قالته المصادر السياسية والعسكرية اللبنانية. مراكز بحث إسرائيلية مثل "Alma" و"INSS" تحدثت خلال الأسابيع الأخيرة عن ضرورة "تغيير الواقع الأمني في الجنوب بالقوة"، لأن حزب الله لن يسحب قواته طوعا.
صحيفة "إسرائيل هيوم" نشرت قبل أيام أن الحكومة الإسرائيلية "تعتبر أن المواجهة البرية أصبحت حتمية"، وأن إسرائيل "لن تنسحب من المناطق التي تدخلها قبل ضمان تفكيك كامل البنية الأمامية لحزب الله".
تقارير غربية، بعضها أوروبي وأمريكي، تشير إلى أن الاغتيالات المتتالية (آخرها هيثم علي طبطبائي) جزء من "تجريف طبقة القيادة الميدانية للحزب قبل العملية البرية".
وعزز وزير الخارجية المصري هذه الصورة حين قال لمسؤولين لبنانيين إن "إسرائيل لن تخرج من المناطق التي ستدخلها في الجنوب، تماما كما فعلت في سوريا"، وإن القرار الإسرائيلي "ليس عسكريا فقط، بل هو استراتيجي".
ترامب.. دعم مفتوح لأي عملية برية
يقول مصدر سياسي لبناني إن وجود دونالد ترامب في الرئاسة الأمريكية غيّر ميزان التقديرات بالكامل. وينقل عن مصادر دبلوماسية عربية مطلعة على الاتصالات الإقليمية قولها إن إدارة ترامب "أبلغت الأوروبيين أنها لن تعارض عملية برية إسرائيلية، مهما كان عمقها، طالما أنها تُقدّم كجزء من تفكيك قدرات حزب الله".
وتشير المصادر إلى 3 مؤشرات واضحة؛ أولها الضوء الأخضر الأمريكي لعمليات الاغتيال داخل لبنان، كما حدث في الضاحية الجنوبية مع اغتيال طبطبائي، مع إشارات صريحة بأن واشنطن كانت على علم مسبق بالعملية. ثم حديث مسؤولين في الإدارة عن أن "حزب الله تهديد وجودي لإسرائيل"، وأن التعامل معه يجب أن يكون "على طريقة 2003 مع العراق"، وفق ما تسرب لوسائل إعلام أمريكية.
أما المؤشر الثالث وفق هؤلاء، فيظهر في تعزيز التواصل العسكري مع قيادة الجيش اللبناني عبر قنوات فرعية، بعد أن توقفت الاتصالات السياسية، في محاولة لتأمين "حزام تهدئة" لبيروت أثناء العملية الإسرائيلية.
ويرجح المصدر السياسي اللبناني أن واشنطن "لن تضغط على تل أبيب لمنع احتلال مؤقت، وربما طويل، لجزء من الجنوب"، شرط ألا تتوسع الحرب لتشمل إيران مباشرة.
جنوب لبنان أمام معادلة جديدة
ما تكشفه المصادر العسكرية والسياسية اللبنانية، المدعوم بتصريحات الوزير المصري وتقارير إسرائيلية وغربية، يقود إلى نتيجة واضحة، مفادها أن إسرائيل تستعد لعملية برية واسعة تُغيّر خريطة الجنوب، وتعيد إنتاج نموذج الحزام الأمني لكن بصيغة أكثر ثباتا.
وفي ظل الغطاء السياسي الواضح من إدارة ترامب، تصبح أمام لبنان معادلة واضحة؛ إما التفاوض على ترتيبات أمنية جديدة تُبعد حزب الله شمال الليطاني، أو الاستعداد لحرب برية قد تؤدي إلى تمركز إسرائيلي طويل الأمد داخل الأراضي اللبنانية.
وما بين هذين الخيارين، يبدو أن المنطقة تقترب من لحظة الاختبار الأخطر منذ حرب 2006، بل ربما من صياغة واقع حدودي جديد بالكامل.