يرى خبراء أن الموقف التركي المتشدد تجاه أي توجه نحو الفيدرالية في سوريا يعكس تفاعلا مع واقع معقد، حيث ترفض أنقرة أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي، سواء كان فيدراليا أو لامركزيا، وتعتبره بمثابة خطوة نحو تقسيم سوريا.
ويطرح البعض تساؤلات حول إمكانية تأثير هذا الموقف التركي على التفاهمات الأخيرة بين قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي والرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، التي قد تتعرض لضغوط شديدة من أنقرة.
كما يزداد تعقيد المشهد في ظل الوضع الأمني الهش في سوريا، الذي قد يدفع النظام السوري إلى البحث عن تسويات داخلية تتوافق مع جميع الأطراف، ولكن يبدو أن الموقف التركي قد يعيق أي خطوات باتجاه الحكم الذاتي الكردي.
استراتيجية تركيا مع الأكراد
ويوضح المتخصص بالشؤون التركية، إبراهيم كابان، أن المسألة التركية ليست محصورة فقط في مسألة الفيدرالية في سوريا، بل تمتد إلى رفض تركيا لأي شكل من أشكال اللامركزية السياسية أو الإدارية الموسعة، الهدف التركي يتمثل في أن تكون سوريا على مستوى تركيا من حيث الحقوق وطبيعة التعامل مع الآخرين.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن تركيا تضم حزبا كرديا وبعض البلديات المحلية، لكن عندما تريد السلطة، تقوم بتغيير رؤساء البلديات أو سجنهم أو تنفيذ حملات اعتقال تطال الأكراد أو أعضاء الحزب؛ وهذا يشير إلى أن الحقوق التي يتمتع بها الأكراد في تركيا هي أقل من الحد الأدنى في ما يتعلق بالحريات؛ الأمر الذي دفع أنقرة إلى محاولة تصدير هذا الواقع إلى سوريا.
دولة شمولية
وأوضح كابان أن الهدف التركي هو جعل سوريا دولة مركزية تتعامل مع الآخرين بناءً على مفهوم الوحدة الوطنية، ومنح حقوق بسيطة جدا وأحيانا غير دستورية، ويعتمد النظام التركي على الأدوات الاستخباراتية والعسكرية؛ إذ يمنح سلطة دمشق بعض الضمانات، مثل الحماية، بالإضافة إلى مداولة وضع السلطة دوليا لمنحها بعض الشرعية الدولية بمساعدة قطرية، هذا يشير إلى أن تركيا تسعى إلى إعادة إنتاج نظام مشابه للنظام السوري السابق، من خلال تأسيس دولة شمولية.
وأشار إلى أن التصريحات المتكررة والتحركات المستمرة من السلطات التركية تركز على رفض الفيدرالية واللامركزية، هذا الأمر أدى إلى منافسة بين تركيا وإسرائيل حول سوريا، حيث تقدم تركيا خدماتها لدمشق مقابل حمايتها من التدخل الإسرائيلي. في المقابل، ستتحرك إسرائيل وفقًا لاستراتيجيتها الخاصة.
واختتم كابان قائلا، إن سوريا انتقلت من مرحلة التحكم الإيراني – التركي إلى مرحلة التحكم التركي – الإسرائيلي، مع ضبط إيقاع نفوذ كل طرف.
حجر عثرة
في السياق نفسه، أوضح الكاتب والمحلل السياسي التركي، إسلام أوزكان، أن المؤتمر الكردي الأخير في القامشلي، وخاصة مع ما أشيع عن تفاهمات بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع – أو ما يُسمى أحيانا "اتفاق عبدي/الشرع" – يعد بمثابة عامل ضغط رئيس على هذه التفاهمات الوليدة.
وأضاف أوزكان لـ"إرم نيوز" أن الموقف التركي المتشدد تجاه أي خطوة نحو الفيدرالية أو الحكم الذاتي الكردي يعد حجر عثرة أمام التقدم في هذه التفاهمات.
الفيتو التركي
وقال إن تركيا تعتبر أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي، خاصة في شمال سوريا، تهديدا مباشرا لأمنها القومي، وذلك بسبب الروابط الوثيقة التي ترى أن هناك ارتباطا بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وحزب العمال الكردستاني، ومن ثم، فإن أي محاولة لإضفاء شرعية سياسية أو دستورية على وضع الأكراد، حتى داخل إطار الدولة السورية، ستُواجه برفض تركي صريح، وربما ستتبعها خطوات ميدانية.
وأشار أوزكان إلى أن الوضع الأمني الهش داخل سوريا وحاجة النظام السوري إلى استيعاب مكونات اجتماعية وسياسية متعددة قد يدفع دمشق إلى تغليب منطق التسويات الداخلية، لكن إذا قرأت تركيا هذه التفاهمات على أنها تمهيد لتكوين كونفدرالية أو تقسيم فعلي لسوريا، فقد تلجأ إلى استخدام نفوذها الميداني لتعطيل أي تنفيذ فعلي لهذا الاتفاق.