كشف فريق بقيادة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، وستيف ويتكوف، مبعوث الشرق الأوسط، عن مسودة مشروع ضخم يتألف من 32 صفحة لإعادة إعمار قطاع غزة وتحويله إلى "مدينة عصرية مزدهرة".
وتطرح الخطة رؤية طموحة لنقل السكان من الخيام إلى شقق فاخرة، معتمدة على رسوم بيانية لناطحات سحاب ساحلية ومرافق بنية تحتية متطورة.
تُقدر التكلفة الإجمالية لمشروع "شروق الشمس" بنحو 112.1 مليار دولار على مدى 10 سنوات، تلتزم فيها الولايات المتحدة بدور الداعم الرئيس عبر تقديم نحو 60 مليار دولار كمنح وضمانات ديون، مع مشاركة مرتقبة للبنك الدولي. وتهدف الخطة إلى تمكين غزة من تمويل مشاريعها ذاتياً وسداد ديونها تدريجياً مع انتعاش الصناعة المحلية والاقتصاد.
تعتمد رؤية إعادة الإعمار استراتيجية "المراحل الأربع" التي تزحف عمرانياً من الجنوب إلى الشمال، مبتدئةً برفح وخان يونس ثم المخيمات الوسطى وصولاً إلى مدينة غزة، مع اتخاذ "رفح الجديدة" حجر زاوية للمشروع؛ حيث تُصوَّر كمركز مستقبلي للحكم ومدينة عصرية تستوعب نصف مليون نسمة، وتضم بنية تحتية هائلة تشمل 100 ألف وحدة سكنية ومئات المرافق الطبية والتعليمية والثقافية.
ويرى محللون ومختصون أن إمكانية نجاح مشروع "شروق الشمس" الذي كشفت عنه تقارير أمريكية وبدأت الإدارة الأمريكية إعداده لإعمار قطاع غزة بمفهوم مختلف عن المقترحات السابقة لإعمار القطاع، تكاد تكون شبه معدومة.
ورغم ما يحمله المشروع من أرقام ضخمة وطموحات عالية، تبقى فرص نجاحه على أرض الواقع محدودة للغاية، في ظل جملة من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية.
ويرى المحلل السياسي خليل أبو كرش أن "مشروع شروق الشمس لا يُفهم على أنه مشروع لإعادة الإعمار، بل يأتي في سياق اقتصادي وتجاري بحت".
وقال لـ"إرم نيوز": "الولايات المتحدة لها ثقل كبير في هذا الملف، خاصة أن تكلفة المشروع ضخمة جداً وتُقدّر بـ112 مليار دولار تمتد على مدار 10 سنوات".
وأضاف: "المشروع يُطرح كسياق بديل عن السياق الذي تم التوافق عليه في وقت الحرب ضمن خطة الرئيس ترامب، وقد يكون محاولة للضغط على الطرفين، حركة حماس من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، لدفعهما نحو المضي قدما في المرحلتين الثانية والثالثة من الخطة".
ولفت إلى أن "مشاريع مشابهة طُرحت في السابق مثل المدينة الإنسانية ورفح الخضراء، لكنها اصطدمت بعدة عقبات؛ ما يجعل مصير مشروع شروق الشمس غير محسوم". وتابع: "لا يوجد أفق سياسي لهذا المشروع، فهو يتحدث عن حل سكاني واقتصادي دون أي رؤية سياسية واضحة".
وأكد المحلل السياسي أن "إعادة الإعمار في بيئة مضطربة واستثمار غير مستقر يتطلبان بيئة آمنة، وهي غير متوفرة حاليا، خاصة في ظل الوجود العسكري الإسرائيلي المباشر وسيطرتها على 53% من جغرافيا غزة، بينما تسيطر حركة حماس على ما تبقى، دون وجود إجابة واضحة حول أماكن سكن نحو 2 مليون فلسطيني".
وقال: "غياب وضوح الخطة في هذا السياق، وعدم توفر بيئة مناسبة، سيؤديان إلى فشل تنفيذ المشروع على أرض الواقع"، مشيرا إلى فشل مشروع سابق وهو مشروع "ريفييرا غزة"، الذي طُرح من قبل الأمريكيين، لكن تم التراجع عنه نتيجة الضغط الإقليمي والعربي.
وتابع: "الجهود العربية شددت على أن الحل يجب أن يكون سياسيا، وأن غياب الأفق السياسي يعني استمرار حالة الحرب أو بقاء الوضع القائم؛ وهو ما أدى سابقا إلى فشل المشروع، وقد يتكرر الأمر مع مشروع شروق الشمس".
وأضاف: "هذه المشاريع لن يُكتب لها النجاح لعدة أسباب؛ أولاً، البيئة غير الآمنة، التي تُعد عائقاً أساسياً أمام أي استثمار حقيقي. وثانياً، اشتراطات الممولين بعدم وجود حركة حماس في الحكم، بينما الحركة لا تزال موجودة ومتمسكة بموقعها".
وبحسبه، فإن "إسرائيل لا تسعى إلى تحقيق حالة من الاستثمار أو الرخاء في قطاع غزة، بل تهدف إلى فرض الهيمنة والسيطرة العسكرية والأمنية طويلة الأمد".
وقال المحلل السياسي خالد عامر، إن "مشروع شروق الشمس هو مشروع طموح لإنشاء وادي سيليكون فلسطيني، لكن فيه خصوصية في قطاع غزة، وهي وجود الجيش الإسرائيلي وحصار غزة وعدم حل الصراع في المنطقة، هذه عقبة أساسية؛ لأن رأس المال كما يقولون جبان ولا يأتي إلى المناطق التي فيها الصراعات".
وأضاف لـ"إرم نيوز": "هذا المشروع عمليا إذا ما تم السير فيه أو البدء فيه سيواجه عراقيل كثيرة وسيستغرق وقتا طويلا جدا حتى تنفيذه". ومن بين العقبات، بحسب المحلل السياسي، أنه يحتاج إلى وقت في الأصل من أجل إزالة كل مظاهر الخراب والدمار التي أحدثتها إسرائيل في قطاع غزة، وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات.
وتابع: "هناك نقطة أخرى تتعلق بالموقف الإسرائيلي من ناحية المنافسة على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد التكنولوجي، فإسرائيل نفسها دولة رائدة في موضوع التكنولوجيا، وهي لديها مدخولات ضخمة وراء هذا النوع من الاقتصاد".
وأضاف: "أعتقد أن أسرائيل ستعرقل الفكرة، غير العراقيل الطبيعية الناجمة عن الدمار والمواقف السياسية والحصار، هي ستتدخل في هذا المشروع وتحاول أن توقفه بطرق ملتوية حتى لا يقلع؛ لأنه سيؤثر على دورها وريادتها في موضوع الهايتك".
ومن ناحيته قال المحلل السياسي أكرم عطا الله، إن "مشروع شروق الشمس هو ترجمة للطموح الأمريكي، وتسعى من خلاله الولايات المتحدة لاستثمار حالة الدمار في غزة، انطلاقاً من رؤية الرئيس الأمريكي من عالم المال والعقارات، الذي يعتقد أن كل شيء يمكن حله عبر الصفقات".
وأضاف لـ"إرم نيوز": "هذا المشروع يواجه تحديات كبرى، أولها غياب الاستقرار السياسي، وكونه مشروعا مجتزأً يتجاهل وجود شعب فلسطيني تحت الاحتلال وله حقوق مشروعة".
وتابع: "تنفيذ مشروع اقتصادي بحجم وادي السيليكون دون إرادة الشعب مسألة تحتاج إلى مراجعة، ولا شيء يجب أن يعلو على إرادة الشعوب".
وقال عطالله: "إسرائيل طرف في المشروع، لكن ذلك يدعو إلى تفاؤل حذر، في ظل غياب الأرض وصاحب الشأن الحقيقي، وهو أبرز ما يعيق تنفيذه".