ينتشر شعور بالحسد في وادي السيليكون، مركز الابتكار التكنولوجي الأمريكي، تجاه الصين، التي أصبحت رمزاً للسرعة والكفاءة في بناء البنية التحتية، والتكنولوجيا المتقدمة.
ووفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن هذا الحسد ليس مجرد إعجاب سطحي، بل يعكس أزمة هوية عميقة في أمريكا، حيث تكافح الولايات المتحدة للحفاظ على تفوقها التاريخي في الابتكار والإنتاج.
ويهدّد هذا الانبهار بتجاوز الحقائق، مما يكشف عن مخاوف أمريكية أعمق بشأن مستقبلها في عالم متعدد الأقطاب، إذ بدأ الأمر من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، والبودكاست، والمقابلات، حيث يعبر قادة التكنولوجيا الأمريكيون عن إعجابهم بقدرة الصين على بناء الجسور، والسكك الحديدية عالية السرعة، والتكنولوجيا المتقدمة، مثل نماذج الذكاء الاصطناعي في شركة "ديب سيك".
في المقابل، يشكو الأمريكيون من تقادم البنية التحتية، واللوائح التنظيمية المعقدة، والاقتصاد الذي يعجز عن إنتاج حتى البراغي أو الطائرات بدون طيار، مما دعا بعضهم إلى إنشاء مشروع أمريكي مشابه لـ"ديب سيك"، وتبنّوا حتى ثقافة العمل "996" الصينية، التي تعني العمل، من 9 صباحاً إلى 9 مساءً و 6 أيام أسبوعياً.
وفي تدوينة أخيرة لشركة رأس المال الاستثماري "أندريسن هورويتز"، حذّرت من أن الصين تتقدم بسرعة في نقل السلع والأشخاص والمعلومات، بينما تخاطر أمريكا بالبقاء عالقة في الماضي.
ويمتد هذا الإعجاب إلى الديمقراطيين المهتمين بالسياسة، الذين يعبّرون عن إحباطهم من عجز أمريكا عن بناء المساكن أو السكك الحديدية، مقابل مقاطع الفيديو التي ينشرها السياح الأمريكيون عن إنجازات الصين.
وقالت أفرا وانغ، وهي كاتبة متخصصة في التكنولوجيا من وادي السيليكون: "بالنسبة للأمريكيين، فكرة أن المستقبل يُصنع في مكان آخر غير الولايات المتحدة صعبة التقبل، وهي مسألة هوية أكثر منها تكنولوجيا".
ويكشف هذا الحسد عن ضعف في فهم أمريكا للصين، وعن خيبة أمل في نفسها، إذ كانت الشركات الصينية تُعد، سابقاً، مجرد مقلدة، أما اليوم فتُمثل نموذجا في الكفاءة والتوسع.
والنظام الصيني، الذي تقوده الدولة من أعلى إلى أسفل، يُعاد صياغته كنموذج للتنفيذ الفعال، بدلاً من عبء سياسي، ومع ذلك، يُحذّر الخبراء من أن هذين السردين، الصين كخائنة أو كقوة عظمى، تبسيطيان للواقع المعقد، ويعكسان النفسية الأمريكية في عصر لم تعد فيه مصدر التقدم الوحيد.
وفي الواقع، انهار النموذج الأمريكي التقليدي: الابتكار، البناء، التصدير، إذ باتت أمريكا تعتمد على التصنيع الخارجي، مما جعلها تصمم فقط، بينما تُجسد الصين الإنتاج الفعلي.
وأصبحت القدرة على التصنيع أمراً إستراتيجياً، إذ يقول مارك أندريسن، المستثمر المغامر: "الآلات، اليوم، هي النسخة المادية من البرمجيات، والسيارة أصبحت روبوتًا على عجلات". ويعترف بتقدم الصين في بناء الأشياء المادية والذكاء الاصطناعي المتكامل مع الأجهزة.
ويركّز رواد الأعمال الصينيون على تطبيق الذكاء الاصطناعي في الخدمات والتصنيع، لا على الذكاء الاصطناعي العام كما في أمريكا. وحث إريك شميت، الرئيس السابق لغوغل، وادي السيليكون على التعلم من الصين لدمج الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، مشدداً على البراغماتية الصينية مقابل المثالية الأمريكية.