الجيش الإسرائيلي: يمكن لسكان مدينة غزة مغادرة المدينة باتجاه المواصي عبر شارع الرشيد بدون تفتيش

logo
العالم العربي
خاص

"لا حرب و لا سلام".. كيف تدير إيران و إسرائيل معركة "الصبر الاستراتيجي"؟

"لا حرب و لا سلام".. كيف تدير إيران و إسرائيل معركة "الصبر الاستراتيجي"؟
حرب إيران وإسرائيلالمصدر: إكس
25 يوليو 2025، 12:58 م

في أعقاب مرور نحو شهر على جولة المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وإيران، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بتصريحات لافتة ألمح فيها إلى احتمالية استئناف الحرب، مؤكداً أن إسرائيل "أقرب إلى تحقيق أهدافها".

أخبار ذات علاقة

محمد جواد لاريجاني

مسؤول إيراني يدعو لاغتيال ترامب

هذه التصريحات، رغم توقيتها القصير بعد انتهاء المواجهة، تعكس مراجعة داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لسير العمليات الأخيرة، دون أن توحي بتبدل جذري في ميزان الردع، أو تغير واضح في القدرات النسبية بين الطرفين.

تصريحات كاتس قد لا تعبّر عن قرار وشيك بالتصعيد بقدر ما تحمل إشارات ردعية واضحة، ويمكن أن تكشف في الوقت ذاته عن إدراك رسمي بأنّ الجولة الأخيرة لم تُنهِ الاشتباك القائم، بل جمّدته عند حدود مؤقتة.

حرب على الورق

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، صرح بأنّ الحرب مع إيران "قد تُستأنف قريباً"، في أعقاب تقييم أمني رفيع المستوى أعاد فتح النقاش حول مدى اقتراب المواجهة العسكرية الكبرى بين طهران وتل أبيب. لقد اعتادت إسرائيل توظيف مفردات التهديد العسكري ضمن بنية اشتغالها السياسي الداخلي والخارجي، لكن هذه الاستخدامات تختلف باختلاف السياقات، وتصبح أكثر كثافة حينما تتراجع القدرة على المبادرة الفعلية، وفق ما أفاد به الباحث في الشؤون الإسرائيلية، زياد خوري، لـ"إرم نيوز".

وأضاف بأنه ومن ناحية واقعية، تبدو احتمالات الحرب بين إيران وإسرائيل منخفضة في المدى القريب. فتل أبيب لا تريد حرباً مفتوحة لا يمكن ضبط توقيتاتها ولا نتائجها، بينما تراهن طهران على الوقت، لتكريس موقعها كلاعب إقليمي دون التعرض لأي انتكاسات جديدة.

وأوضح الباحث في الشؤون الإسرائيلية أن السياق السياسي الإسرائيلي، لطالما استخدم الخطاب العسكري الحاد كأداة وظيفية لتحريك الملفات السياسية الراكدة، أو لحرف الانتباه عن أزمات داخلية مستعصية. في هذا الإطار، لا تبدو تصريحات يسرائيل كاتس الأخيرة استثناءً من هذا النمط، بل أقرب إلى محاولة متعمدة لإعادة فرض حضور الملف الإيراني في الوعي السياسي الداخلي، بعد تراجع زخم "الانتصار" الإعلامي المزعوم في الحرب الأخيرة. وبذلك، فإن التهديد بالحرب يهدف إلى تطمين الجمهور الإسرائيلي، وإلى دفع القوى الدولية إلى إعادة النظر في سقف الضغوط المسموح بها على طهران، بمعزل عن المسار النووي الرسمي.

أخبار ذات علاقة

المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي

غروسي: إيران مستعدة لاستئناف محادثات فنية

وتابع الباحث حديثه لـ"إرم نيوز" مشيراً إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية دخلت منذ ما بعد نيسان 2024 في مرحلة دقيقة من إعادة تقييم منظومة الردع التقليدية تجاه إيران. إذ لم تعد الضربات الجوية أو الهجمات السيبرانية تحقق التأثير الردعي المطلوب، خاصة بعد تكيف طهران التدريجي مع نمط هذه العمليات، وتحوّلها إلى مجرد "ضجيج محسوب" في ميزان الاستراتيجية الإيرانية. في المقابل، فإن المبادرة إلى حرب واسعة النطاق أصبحت شبه مستحيلة من وجهة نظر تكتيكية–دولية، لسببين أساسيين: أولاً، افتقار تل أبيب إلى غطاء دولي صريح؛ وثانياً، انعدام الضمانات بأن الضربة الأولى ستكفي لتحييد قدرة إيران على الرد، وهو ما يعني احتمالية الانجرار إلى حرب استنزاف متعدّدة الجبهات.

الردع كبديل عن الحرب

مصدر دبلوماسي أوروبي أفاد لـ"إرم نيوز" أن الحديث عن اقتراب حرب مع إيران لا يعكس قراراً استراتيجياً فعلياً داخل إسرائيل، بل يأتي في إطار توظيف الخطاب العسكري للضغط السياسي. وأضاف أن "التهديد الذي أطلقه يسرائيل كاتس لا يلقى دعماً دبلوماسياً من شركاء إسرائيل الغربيين، لا سيما واشنطن، التي تُبقي على موقف واضح بعدم الرغبة في مواجهة مفتوحة جديدة في الشرق الأوسط في هذا التوقيت أو المرحلة القريبة المقبلة".

وتابع المصدر بالقول: "لا توجد مؤشرات جدية على أن إسرائيل تستعد عسكرياً لحرب وشيكة، لا على مستوى الحشد ولا في طبيعة الخطاب الرسمي الصادر، بل هناك محاولة لتضخيم الاحتمال لغايات ردعية، وربما أيضاً داخلية تتصل بموازين السياسة الإسرائيلية بعد الحرب الأخيرة". ولفت إلى أن "التحركات الدبلوماسية الغربية منذ وقف إطلاق النار تركزت على تثبيت التهدئة، وليس على منح غطاء لأي تصعيد محتمل".

كما أشار إلى أن "الدول الأوروبية أبلغت في وقت سابق تل أبيب، بشكل غير علني، بأن أي تصعيد جديد سيؤثر سلباً على الملفات العالقة، خاصة في ما يخص البرنامج النووي الإيراني، والاستقرار في الخليج".

وختم المصدر حديثه بالقول إن ما تريده إسرائيل الآن، وفق التقديرات الدبلوماسية، ليس شنّ الحرب، بل ترميم صورتها الردعية بعد الحرب الأخيرة، التي لم تكن نتائجها محسومة بشكل كامل. 

بين مأزق الداخل وحسابات الخارج

لا يمكن إغفال السياق الداخلي الإسرائيلي عند تحليل تصريحات كاتس. فالحكومة الحالية تواجه أزمة سياسية خانقة وتراجعاً في ثقة الرأي العام، مع استمرار الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية، وفقدان اليقين تجاه مستقبل القيادة. في هذا السياق، يُستخدم الخطاب الأمني كأداة تقليدية لإعادة توجيه الرأي العام، وتحويل النقاش من الداخل إلى الخارج، بحسب رأي الباحث السياسي، عزام منصور خلال حديثه لـ"إرم نيوز".

وتابع قائلاً "الحكومة الإسرائيلية تمرّ منذ شهور بحالة تفكك سياسي داخلها، إلى جانب تصاعد الانتقادات الحادة من المؤسسة الأمنية السابقة، ما يضع القيادة الحالية تحت ضغط دائم لإثبات الحسم. وهنا، يصبح الخطاب الحربي وسيلة لإعادة ترتيب مشهد الشرعية السياسية، أكثر منه خطوة نحو الحرب نفسها".

أخبار ذات علاقة

علمان الإتحاد الأوروبي وإيران

مهلة أوروبية لإيران قبل تفعيل "آلية الزناد"

وزاد بالقول "المفارقة في هذه اللحظة، أن التهديد بالتصعيد لا يَهدف فقط إلى ترميم صورة الردع تجاه طهران، بل يحمل بين طيّاته رسالة مبطّنة إلى واشنطن أيضاً، مفادها أن إسرائيل قادرة على التحرك خارج سقف التفاهمات إن شعرت بأن صبرها الاستراتيجي لم يعد مُنتجاً. أي أن خطاب كاتس موجّهٌ بالدرجة الأولى للحلفاء، لا للخصوم".

وختم مشيراً إلى أن الخطاب السياسي الإسرائيلي لا يزال عاجزاً عن إنتاج استراتيجية خروج واضحة من أي حرب، لذا، تتحول المؤسسة العسكرية مرغمة لا مختارة إلى حالة من الردع عبر الصوت لا الردع بالفعل، وهو ما يُفسّر إصرار كاتس على لغة الحسم في ظل غياب قدرة واقعية على التحرك المباشر.

في العمق، لا تعبّر تهديدات كاتس عن استراتيجية هجومية متكاملة بقدر ما تعكس مأزق غياب الخيارات. إذ تراهن إسرائيل على الضغط الكلامي لتكريس نوع من الردع النفسي، في وقت تتراجع فيه فاعلية أدواتها التقليدية. هذه المفارقة تُعيد إنتاج منطق "القوة بلا قرار"، وهو نمط معروف في حال تفوّق القوة وغياب القدرة على الحسم.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC