أكد ساسة وخبراء لبنانيون أن اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949، هو أفضل طريق في الوقت الحالي، لاعتماده بين البلدين وإنهاء التوتر القائم، من خلال العمل على تطويره بأدوات عصرية، في ظل تقنيات ومستجدات فرضت آليات أخرى، ليكون ذلك عبر لجنة "الميكانيزم" التي تستكمل يوم الجمعة اجتماعاتها في بلدة الناقورة.
وأوضحوا، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الذهاب إلى هذه الهدنة وتحديثها قد يكون حلاً مناسباً بين البلدين في وقت تدرك فيه إسرائيل جيدا أن الأوضاع في لبنان غير مهيأة لإنتاج حالة "تطبيعية" يرفضها الواقع حالياً، مشددين على تمسك بيروت بمطالبها عبر اجتماعات اللجنة، وفي صدارتها إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، وترسيم الحدود، وإطلاق سراح الأسرى، والانسحاب من النقاط المحتلة.
وأشاروا إلى أن مفاوضات الميكانيزم لها مراحل، الأولى إعادة الوضع بين الجانبين كما كان قبل الحرب الأخيرة، أما الثانية، إعادة ترسيم الحدود البرية كاملة، بينما تتعلق الثالثة بمستقبل الانخراط في عملية سلام أو عدم عداء أو شكل يحمل صيغة أخرى مع إسرائيل، بعد ترتيب كل الأمور والأوراق بين الطرفين، وهذه مرحلة تتطلب وقتا طويلا.
وشهد اجتماع الميكانيزم في 3 ديسمبر الماضي خطوة تاريخية؛ إذ عُقد لأول مرة اجتماع لممثلين مدنيين من الجانب اللبناني والإسرائيلي، بعد أن عيّن الرئيس اللبناني جوزيف عون السفير سيمون كرم على رأس وفد بلاده، وعلى الرغم من أهمية هذا المنعطف، في محاولة لعدم الذهاب إلى حرب جديدة، فإن إسرائيل استمرت في غاراتها على الجنوب اللبناني حتى الساعات الأخيرة.
وشنّ سلاح الجوّ الإسرائيلي يوم الخميس سلسلة غارات في جنوب لبنان وشرقه، وقال إنها تستهدف منشآت لـ "حزب الله"، عشية اجتماع للجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار "الميكانيزم" التي تضم الأمم المتحدة وأطرافا دولية، وقبيل اجتماع ثلاثي فرنسي- سعودي- أمريكي في باريس حول لبنان، لمناقشة تفاصيل دعم الجيش اللبناني.
ويأتي ذلك في الوقت الذي اجتمع فيه الرئيس اللبناني مع السفير سيمون كرم، وحدّد توجيهات دقيقة يتعامل بها الأخير خلال انعقاد اللجنة، مؤكداً أن الاجتماع المقبل يتقدّم على سابقه من حيث الجدية والعمل، في ظل انتقال الميكانيزم إلى مرحلة أكثر فاعلية بعد إدخال الشقّ المدني، ومشدداً على مقاربة تقوم على تثبيت الحقوق السيادية ورفض أيّ مسارات سياسية موازية، وإدارة الاستحقاق الدبلوماسي بعقل بارد، في مواجهة تصعيد إسرائيلي متواصل، وشهية مفتوحة على الضغط والمناورة.
وانبثقت لجنة "الميكانيزم" عن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وتضم ممثلين عسكريين عن بيروت وتل أبيب إلى جانب قوات "اليونيفيل"، برعاية أمريكية فرنسية، وتهدف إلى تثبيت الاتفاق.
ويرى السياسي اللبناني وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، البروفسور ناصر زيدان، أنه بطبيعة الحال جاءت الموافقة اللبنانية على المشاركة السياسية بـ"الميكانيزم" استناداً إلى وساطات واتصالات واسعة قامت بها الدول المعنية وسط استجابة لبنان للمبادرات الأمريكية والمصرية وغيرها من الدول الأعضاء باللجنة، وقَبِل المشاركة بواسطة السفير سيمون كرم.
وأوضح زيدان، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن لدى بيروت أوراقاً من الممكن أن تستخدمها في هذه الاجتماعات، وكما أشار رئيس الجمهورية، فإن لبنان ليس دولة مستسلمة لإسرائيل بل على العكس من ذلك، وهناك مقومات للصمود ولكن خلفية التفاوض تستند إلى رغبة في حل المشكلة وإيقاف الحرب والخسائر لدى كل الأطراف، لافتا إلى أن هذه الرغبة اللبنانية تدفع سيمون كرم لطرح مطالب بلاده على طاولة المفاوضات على أمل أن تساعد الأطراف الأخرى في الميكانيزم.
وبين زيدان أن إسرائيل تدرك جيداً أن الأوضاع في لبنان غير مهيأة لإنتاج حالة تطبيعية يرفضها الواقع حالياً، مشيراً إلى أن هناك اتفاق الهدنة بين البلدين لعام 1949، ومن الممكن التأكيد عليه وأيضا العمل على تطويره بأدوات عصرية في ظل تقنيات ومستجدات فرضت آليات أخرى لتنفيذ مثل هذه الاتفاقيات.
وشدد زيدان على أحقية المطالب اللبنانية، وفي صدارتها إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عام على "تفاهم" وقف إطلاق النار، وتطال أشخاصا مسالمين ومناطق ومنشأت مدنية وهناك ضرورة لإنهائها ووضع حد لها.
وأفاد البروفسور والسياسي اللبناني، أن "أبرز المطالب يخص 10 أسرى لبنانيين مع قوات إسرائيلية، ولا بد من إطلاق سراحهم، الأمر الذي سيساعد الدولة اللبنانية على إضفاء أجواء من الارتياح على الشارع السياسي اللبناني، لإظهار أن رئيس الجمهورية والحكومة عبر توجههما إلى التفاوض السياسي يحققان نتائج على الأرض، ومن جهة أخرى، سيرضي ذلك مكون لبناني معين".
واستكمل زيدان أن "من أهم المطالب اللبنانية ترسيم الحدود؛ حيث هناك اختلال حدث سابقا في عام 2000 وما زال الأمر قيد المتابعة ولا بد من حسم هذه النقطة، وتصحيح الترسيم في النقاط المحددة وربما يتم التفاهم انطلاقا من هذه العناوين على ترتيبات مستقبلية".
واستطرد بالقول إن "الجميع يدرك أن لبنان لن يخرج عن الإجماع العربي في هذا السياق وتلتزم به الدولة بالمطلق، لا سيما أن المقررات العربية التي تتناول مسألة التسوية في المنطقة انطلقت من قمة بيروت في عام 2002 وتتمسك بها"، مشيرا إلى أن "أي مقترحات عربية متفق عليها سيكون لبنان جزءا منها ولكن لا بد من وضع حد للانفلات العدواني الإسرائيلي الكبير الذي قد يجر المنطقة برمتها إلى مخاطر غير محسوبة".
بدورها، تجد المتخصصة في العلاقات اللبنانية العربية والدولية، ثريا شاهين، أن "مفاوضات الميكانيزم عملية تدريجية وليست بالأمر الذي يتم من خلاله إنهاء كامل الملف اللبناني مع إسرائيل في جلسة أو اثنتين، ولكنها ستتخذ المزيد من الوقت ومن الطبيعي أن يطرح لبنان الأمور كافة التي تشغله ويعتبر أنه مسؤول عن إنهائها وهي سيادته على أرضه كاملة".

وقالت شاهين، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن المفاوضات الحالية تتركز على إعادة الوضع بين بيروت وتل أبيب إلى ما كان عليه قبل الحرب الإسرائيلية على حزب الله؛ أي إلى انسحاب قوات الاحتلال من النقاط الخمس التي لا تزال متمركزة فيها ووقف طلعاتها الجوية فوق الأراضي اللبنانية ووقف العمليات العسكرية على المناطق اللبنانية، في وقت شهد فيه الجنوب والبقاع غارات إسرائيلية مكثفة قبل ساعات من اجتماع الميكانيزم.
وأضافت ثريا شاهين أن "ما يجعل دولا مثل الولايات المتحدة وفرنسا في ارتياح لأداء بيروت، أن الجيش اللبناني استضاف سفراء في المرحلة الأخيرة قبل أيام ودعاهم إلى زيارة مناطق في الجنوب، لرؤية ما تفعله قواته في تنفيذ عملية حصر السلاح بيده، وكان قبل 10 أيام استضاف جولة إعلامية ودعا الصحفيين والمصورين إلى استطلاع ما يحدث على الأرض في جنوب الليطاني بخصوص فرض الدولة سيادتها عبر جيشها".
واعتبرت أن "هناك ارتياحاً من السفراء الأجانب الذين قاموا بهذه الزيارات ونقلوا إلى بلدانهم انطباعات إيجابية حول عمل الجيش في الجنوب، وهو ما تنظر إليه تلك الدول بعين إيجابية، في الوقت الذي ما زالت فيه إسرائيل تقصف وتحتل الأرض وتحتجز الأسرى لديها، ولكن تتمسك بيروت بالقيام بما عليها للتأكيد على أرض الواقع أن عملية حصر السلاح بيد الدولة جارية".
وأشارت شاهين إلى أنه "مع هذه الجدية على الأرض من الجيش، يخرج نائب رئيس الحكومة طارق متري ليقول إن عملية حصر السلاح بيد الدولة من بعد انتهائها جنوب الليطاني نهاية العام؛ أي بعد نحو أقل من أسبوعين، سيكون التحول لتنفيذ العملية ذاتها ما بين نهري الليطاني والأولى القريب باتجاه صيدا وبيروت، وهي مرحلة في غاية الأهمية لأنه بذلك يتوجه الجيش ناحية شمال الليطاني بحسب ما هو مطلوب في اتفاق وقف إطلاق النار".
وذكرت شاهين أن "مفاوضات الميكانيزم لها مراحل، الأولى إعادة الوضع بين الجانبين كما كان قبل الحرب، والثانية إعادة ترسيم الحدود البرية كاملة بين إسرائيل ولبنان وحفاظ الأخير على سيادته أرضا وجوا وتنفيذ كامل القرار 1701 بما في ذلك النقاط الحدودية المتنازع عليها وملف مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر".
"أما المرحلة الثالثة، ستتعلق بمدى الانخراط مستقبلا في عملية سلام أو عدم عداء أو شكل يحمل صيغة أخرى مع إسرائيل، بعد ترتيب كل الأمور والأوراق بين الجانبين، وهذه مرحلة تتطلب وقتا"، بحسب ثريا شاهين.