سلطت دراسة حديثة نشرها موقع ”PsyPost“ الضوء على ارتباط كبير بين سوء المعاملة في الطفولة وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المناعية المزمنة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والصدفية.
وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة أو الإهمال أو العنف المنزلي في طفولتهم كانوا أكثر عرضة بشكل ملحوظ للإصابة بهذه الأمراض، وكانت العلاقة أكثر وضوحًا بين النساء.
وهدفت الدراسة إلى فحص كيفية تأثير التعرض المبكر للصدمات في ظهور الأمراض المناعية المزمنة (IMIDs)، وهي فئة تشمل التهاب المفاصل الروماتويدي، والصدفية، والتصلب المتعدد، وأمراض الأمعاء الالتهابية.
وبينما اقترحت الدراسات السابقة وجود ارتباط محتمل بين الصدمات في الطفولة والأمراض المناعية، فإن الدراسة الجديدة عالجت قيود الأبحاث السابقة من خلال استخدام مجموعة بيانات كبيرة وشاملة مستمدة من السجلات الصحية الإلكترونية في المملكة المتحدة.
وأوضح جوهت سينغ تشاندان، أستاذ الصحة العامة السريرية في جامعة برمنغهام والمعد الرئيس للدراسة، قائلاً: "سوء المعاملة في الطفولة هو مشكلة صحية عامة واسعة النطاق ولكنها غير معترف بها بشكل كافٍ. نعلم أنها مرتبطة بالصحة النفسية والنتائج القلبية الوعائية، لكن علاقتها بالأمراض المناعية المزمنة لم تُستكشف بشكل كافٍ، خصوصًا في السياق البريطاني".
وحلل الباحثون بيانات من قاعدة بيانات IQVIA للبحوث الطبية، التي تشمل سجلات صحية مجهولة المصدر من الممارسات الطبية العامة في المملكة المتحدة. وتتبعت الدراسة 256,130 شخصًا لديهم تاريخ موثق من سوء المعاملة في الطفولة، وقارنتهم مع 712,478 شخصًا لم يتعرضوا لهذه الإساءة.
تم تحديد حالات سوء المعاملة باستخدام الأكواد السريرية، بما في ذلك حالات الإساءة المؤكدة والمخاوف المتعلقة بإمكانية حدوث إساءة، مع فترة الدراسة التي امتدت من عام 1995 إلى 2021.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ من سوء المعاملة في الطفولة كانوا أكثر عرضة بنسبة 39% للإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي، وبنسبة 16% للإصابة بالصدفية مقارنةً بالأشخاص الذين لم يتعرضوا لهذه الإساءة.
واستمرت هذه العلاقات بعد ضبط عوامل مثل السن والجنس والحالة الاجتماعية والاقتصادية. وأظهرت النساء بشكل خاص خطرًا أعلى بشكل ملحوظ، اذ كانت أكثر عرضة بنسبة 54% للإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي، بينما لم تكن هناك زيادة ذات دلالة إحصائية في خطر الإصابة لدى الرجال.
كما لاحظت الدراسة أنه بينما كان سوء المعاملة في الطفولة مرتبطًا بزيادة المخاطر للإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي والصدفية، لم تُظهر الدراسة أي ارتباطات ذات دلالة إحصائية مع التصلب المتعدد، والذئبة الحمامية المجموعية، أو أمراض الأمعاء الالتهابية.
ومن المثير للاهتمام أن البيانات أشارت إلى انخفاض في خطر الإصابة بمرض السيلياك لدى الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة في الطفولة، رغم أن أسباب هذا الاكتشاف غير المتوقعة لا تزال غير واضحة.
وتوقع تشاندان أن الانخفاض في خطر الإصابة بمرض السيلياك قد يعكس نقص التشخيص أو تفاوتات في الوصول إلى الرعاية الصحية، إذ قد يتم التغاضي عن الأعراض أو تقليل الوصول إلى الرعاية الصحية، بدلاً من تأثير وقائي لسوء المعاملة.
وتوجد عدة تفسيرات للارتباط الملحوظ بين الصدمات المبكرة والأمراض المناعية، إذ قد يتداخل التوتر في الطفولة مع تطور جهاز المناعة، ما يؤدي إلى التهاب مزمن.
بالإضافة إلى ذلك، يميل الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة إلى إظهار مستويات أعلى من العلامات الالتهابية، مثل الإنترلوكين-6 وبروتين سي التفاعلي، التي توجد أيضًا لدى الأشخاص المصابين بالتهاب المفاصل الروماتويدي والصدفية.
وعلى الرغم من قوتها، فإن الدراسة تحتوي على بعض القيود. قد يؤدي الاعتماد على السجلات الطبية إلى التقليل من التقارير أو التصنيف الخاطئ لحالات سوء المعاملة في الطفولة، إذ إن النظام المستخدم في الترميز، رغم أنه محدد للغاية، قد لا يغطي جميع الحالات.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر البيانات المفقودة أو غير المتسقة المتعلقة بالعوامل المربكة، مثل تعاطي الكحول، والتاريخ العائلي، والعرق، في النتائج.
وأقر الباحثون بأن هناك حاجة لدراسات إضافية لاستكشاف الآليات البيولوجية التي تقف وراء هذه العلاقات، خاصة ما إذا كان الالتهاب الناتج عن التوتر المزمن يؤدي دورًا رئيسًا.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تدرس الأبحاث المستقبلية كيفية تأثير أنواع وشدة سوء المعاملة على نتائج جهاز المناعة، وتقييم تطبيق النتائج عبر أنظمة الرعاية الصحية المختلفة عالميًا.
وأكد تشاندان أهمية دمج هذه المعرفة في الرعاية السريرية، قائلاً: "منع سوء المعاملة ودعم الناجين ليس مجرد التزام أخلاقي أو قانوني، إنه أولوية للصحة العامة. نأمل في إبلاغ السياسات المتعلقة بالتدخل المبكر والرعاية المعتمدة على الصدمات لتخفيف الضرر طويل الأمد".