كشفت أبحاث علمية متزايدة أن الأرز الأبيض والمعكرونة، اللذين لطالما وُجّهت لهما انتقادات لتسببهما بارتفاعات سريعة في نسبة السكر في الدم، قد يحتويان على فائدة غذائية خفية يمكن تفعيلها بطريقة طهو معينة.
وبحسب تقرير نشره موقع National Public Radio، بمجرد طهو هذه الكربوهيدرات المكررة ثم تبريدها، يمكن تحويلها إلى مصدر لما يُعرف بالنشا المقاوم، وهو مركب يشبه الألياف الغذائية ويوفر فوائد صحية متعددة.
وعلى عكس الحبوب الكاملة، مثل الأرز البني والمعكرونة المصنوعة من القمح الكامل، تُهضم الكربوهيدرات المكررة بسرعة، ما يؤدي إلى ارتفاعات حادة في مستويات السكر بالدم.
وبحسب المعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى في الولايات المتحدة، فإن هذه الارتفاعات المتكررة قد تسهم مع الوقت في مقاومة الإنسولين، والإرهاق، وزيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل القلب والسكتات الدماغية.
وتوضح خبيرة التغذية ميندي باترسون، من جامعة تكساس للنساء، أن هذه "الكربوهيدرات السريعة" تُعد غير صحية أساسًا لأنها تُهضم بسرعة وتحتوي على نسبة قليلة من الألياف.
وتضيف: "عندما نتجنب التقلبات الحادة في نسبة السكر في الدم، نشعر بمزيد من الطاقة والراحة"، وهو عامل حاسم بشكل خاص لمن يعانون السكري.
ماذا يفعل التبريد؟
لكن اكتشافات علمية حديثة تشير إلى أن هذه الكربوهيدرات يمكن تعديلها باستخدام تقنية التبريد، مما يزيد محتواها من النشا المقاوم، وهو نوع من النشويات لا يُهضم في الأمعاء الدقيقة ويعمل كألياف قابلة للذوبان.
وتؤكد العالمة المتخصصة في الأحياء الدقيقة ماريا ماركو من جامعة كاليفورنيا ديفيس: "عند طهو الأرز الأبيض أو المعكرونة ثم تبريدهما لمدة تتراوح بين ست إلى ثماني ساعات، تحدث تحولات كيميائية تجعل سلاسل النشا غير قابلة للتفكيك بواسطة الإنزيمات".
نتيجة لذلك، تمر هذه السلاسل مباشرة إلى القولون، إذ تُغذي البكتيريا المفيدة، بدلاً من التسبب بارتفاع السكر في الدم. وتحول هذه الظاهرة الأطعمة المتبقية من وجبات مثل الأرز أو البطاطا إلى أطباق معززة للصحة.
وأظهرت دراسات، من بينها تحليل تجميعي نُشر عام 2022، أن تناول النشا المقاوم يرتبط بتحسين صحة الأمعاء، وتخفيف الالتهابات، وتعزيز حساسية الإنسولين، وتقليل الشهية.
وتقول ماركو إن "هذه الطريقة البسيطة والعملية تساعد على إضافة الألياف إلى النظام الغذائي"، مشيرة إلى أن غالبية الناس لا يحصلون على الكمية اليومية الموصى بها من الألياف.
وتضيف باترسون أن هذه التقنية تنطبق أيضًا على الحبوب الكاملة مثل الشوفان والشعير والبقوليات والعدس، مما يعزز قيمتها الغذائية.
فوائد النشا المقاوم
لا تقتصر فوائد النشا المقاوم على تحسين الهضم فحسب، بل يتعدى ذلك ليعمل كمادة بريبايوتيك، أي غذاء للبكتيريا المفيدة في الأمعاء، مما يعزز صحة المناعة ويقي من الالتهابات.
ويؤكد رافيندر ناغبال، أستاذ الأحياء الدقيقة في جامعة ولاية فلوريدا، أن "النشا المقاوم يُعد من أهم العناصر الغذائية لصحة الميكروبيوم المعوي". ويضيف أن هذه البكتيريا تنتج أحماضًا دهنية قصيرة السلسلة لها تأثيرات إيجابية في صحة القولون والتمثيل الغذائي.
ويشير ناغبال إلى أن فوائد النشا المقاوم تبقى فعالة حتى بعد إعادة تسخين الطعام، شريطة ألا يُعاد طهوه بالكامل؛ فالتسخين المعتدل في الميكروويف أو المقلاة كافٍ للحفاظ على خصائصه الغذائية.
ويقول: "أقوم بطهو كمية كبيرة من الأرز في نهاية الأسبوع، وأحفظها في الثلاجة، ثم أتناول جزءًا منها يوميًا مع الخضار أو الفاصوليا أو الزبادي“.
ولإضافة النشا المقاوم إلى وجبة الإفطار، ينصح ناغبال بنقع الشوفان أو الحبوب الكاملة في الحليب أو الماء طوال الليل دون طهو، ثم مزجها في الصباح بالفواكه أو الزبادي، ويؤكد أن هذه الطريقة "مثالية وبسيطة“.
كما تشير باترسون إلى أن هذه التقنية تنطبق أيضًا على أطباق مثل سلطة المعكرونة أو البطاطا، التي تُقدم عادة باردة. وتنصح باستخدام مكونات صحية للقلب مثل زيت الزيتون بدلًا من المايونيز.
ورغم أن الحبوب الكاملة تبقى الخيار الأفضل بفضل محتواها الطبيعي من الألياف، فإن هذا الاكتشاف يقدم وسيلة عملية لتحسين القيمة الغذائية للكربوهيدرات المكررة؛ فببساطة باستخدام الثلاجة وبضع ساعات من التبريد، يمكن تحويل الأطعمة اليومية إلى وجبات داعمة للصحة.