كل شيء كان مستهدفا هنا حتى الذاكرة .. بعد عامين من الحرب تنطق غزة الأرقام بلغة الفاجعة بينما لا يزال الرماد ساخنا تحت أقدام أبنائها الذين يعيشون سلسلة متصلة من الكوابيس تجتاح المدينة شارعًا شارعًا، وتمتد على جثث العائلات وأحلام الأطفال ..
الأرقام التي كشف عنها المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع قالت إن الدمار الهائل طال 15 قطاعًا حيويًّا في غزة مخلِّفًا خسائر أولية مباشرة قدرت بـ70 مليار دولار.. فقطاع الصحة وحده خسر ما يقدر بـ5 مليارات دولار، و4 مليارات لقطاع التعليم، و25 ملياراً للقطاع الإسكاني و4.5 مليار للقطاع التجاري ..
هي كارثة بكل ما للكلمة من معنى؛ فالقطاع الصناعي، والزراعي، والديني، والإعلامي، وحتى الترفيهي، جميعها لم تسلم من آلة التدمير بما في ذلك البنية التحتية التي كانت تمد غزة بالاتصالات والكهرباء والنقل والآن لم يبقَ منها شيء يذكر ..
أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات أُلقيت على قطاع ضيق بالكاد يتسع لمليوني إنسان حتى وصلت نسبة الدمار إلى 90%، فيما أحكمت إسرائيل سيطرتها النارية على 80% من مساحة القطاع، وقصفت منطقة المواصي المصنفة إسرائيليًّا كمنطقة إنسانية آمنة 136 مرة.
منذ 7 أكتوبر وحتى الآن بلغ عدد الضحايا والمفقودين أكثر من 76 ألف شخص، منهم أكثر من 20 ألف طفل، و12,500 امرأة، إضافة إلى مئات من الطواقم الطبية والبلديات والدفاع المدني والصحفيين، بينما مُسحت 2700 أسرة من السجلات المدنية، و6,020 أسرة بقي منها ناجٍ وحيد... فهل هناك فاجعة أكبر من هذه؟
الحرب لم تقتل بالقصف فقط، فهناك من مات جوعا، وهناك من قتل بسبب إسقاط المساعدات من الجو بشكل خاطئ ومن لم يمت من الجوع أو الإصابة بالمساعدات أو القصف الإسرائيلي فهو يعاني الآن من نقص الغذاء والأدوية والأرقام المرعبة في تقرير المكتب الحكومي تقول إن هناك أكثر من 19 ألف إصابة بحاجة لتأهيل طويل الأمد، و4,800 حالة بتر، بينهم 18% أطفال، إضافة إلى آلاف حالات الشلل وفقدان البصر.
وفي ظل هذا الواقع الكارثي لا تبدو غزة مجرد مدينة أنهكتها الحرب بل شاهد حي على فصول ممتدة من الدمار الإنساني والاقتصادي والمعنوي بعد عامين من القصف والتجويع والتهجير تركوا جراحاً مفتوحة وأرقاماً تتحدث عن حجم المعاناة المستمرة .. ففي غزة الجريحة الأرقام لا تنتهي... لكنها لم تعد تحتمل المزيد.
