لم يعد الحديث عن الرد الروسي مسألة تكتيك سياسي، بل بات مسارا عسكريا يلوح في الأفق القريب. ففي تطور مفاجئ، خرج الكرملين عن صمته ورفع منسوب التهديد، مؤكدا أن روسيا سترد على الهجمات الأوكرانية الأخيرة، وفي توقيت تحدده موسكو وحدها.
وبينما كانت كييف تتباهى بهجمات طائراتها المسيرة على عمق الأراضي الروسية، كان بوتين يحكم ترتيب أوراق التصعيد، مشددا في اتصال مباشر مع ترامب على أن الرد آت، وبصورة قد تكون غير مسبوقة.
وبدأت معالم الرد الروسي تتضح في الأوساط السياسية والعسكرية، حيث تتزايد التوقعات بأن الضربة الروسية القادمة ستكون مركّبة وعنيفة، وقد تطال أهدافا سيادية داخل أوكرانيا، في رسالة مباشرة بأن معادلة الردع الروسية لم تتغير.
ضربة متعددة الأبعاد
ولا تزال تتحدث المصادر الأمريكية عن أن الرد الروسي قد لا يتأخر كثيرا، مرجحة أن تكون الضربة "متعددة الأبعاد"، وتشمل أهدافا عسكرية وحكومية حساسة في العمق الأوكراني.
ورجحت المصادر أن تستخدم روسيا أسلحة دقيقة ومتطورة، وربما تنفذ عمليات هجومية غير متماثلة من حيث النوع والهدف، بما يشكل رسائل سياسية وعسكرية في آن معا.
وفي خضم تهديدات الرئيس الروسي، يبقى المشهد مفتوحا على السيناريوهات كلها، ويدور في أذهان المراقبين تساؤل: هل يفتح بوتين أبواب الجحيم العسكري؟
وأكد الخبراء أن الكرملين لم يُفعل بعد الرد الانتقامي الكامل، وأن ما يُجهَّز خلف الكواليس قد يكون ضربة صادمة تشمل منشآت سيادية في كييف، كوزارة الدفاع أو القصر الجمهوري.
وأشار الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن القومي الروسي سيكون حاسما في تحديد طبيعة هذا الرد، خاصة مع تزايد الحديث داخل موسكو عن ضرورة ضربة حاسمة تردع كييف والغرب معا.
وأضاف الخبراء، أن روسيا قد تتجه نحو عملية عسكرية موسعة إذا فشلت مساعي السلام، خصوصا باتجاه مدينة سومي، التي باتت على مسافة قريبة من خطوط القوات الروسية.
"الرد سيكون موجعا"
وقال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن روسيا لم تبدأ حتى الآن ردها الفعلي على استهداف "الثالوث النووي" من قبل أوكرانيا، وأن ما يحدث حاليا لا يتعدى تكثيفا للضربات على بعض المناطق الأوكرانية، بينما الرد الحقيقي سيكون حاسما وموجعا لكييف.
وأضاف البني، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الجيش الروسي يُحضّر لضربة قوية جدا، ستكون صادمة للغرب وأوكرانيا على حد سواء، مشيرا إلى أن أهدافا استراتيجية مثل مبنى وزارة الاستخبارات الأوكرانية، أو وزارة الدفاع، وربما حتى القصر الجمهوري في كييف، قد تكون ضمن قائمة الضربات المحتملة.
وأشار إلى أن النقاش داخل الأوساط الروسية يدور حاليا حول طبيعة هذه الضربة المنتظرة ومدى قوتها، وأن مجلس الأمن القومي الروسي سيجتمع قريبا لتحديد الأهداف بدقة؛ ما يعني أن الرد لن يتم إلا بعد صدور قرار جماعي من القيادة الروسية.
ولم يستبعد البني أن تمتد الضربات المرتقبة لتشمل مواقع أوروبية داعمة لأوكرانيا، خاصة في ظل التداعيات المرتبطة بـ"عملية العنكبوت" الأخيرة.
استعراض القوة
من جانبه قال الخبير العسكري والاستراتيجي، نضال أبو زيد، إن روسيا تمضي بخطى ثابتة؛ إذ تتكامل استراتيجيتها العسكرية مع مسارها الدبلوماسي، مشيرا إلى أن طبيعة الرد الروسي ستكون مرتبطة بمدى تجاوب أوكرانيا مع المبادرات المطروحة خلال مفاوضات إسطنبول.
وأكد أبو زيد، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن روسيا بدأت بتنفيذ ما يُعرف بـ"العمليات الانتقائية"، عبر ردود فعل تدريجية، كما حدث عقب عملية "العنكبوت".
وأشار إلى أن الرد الحالي لا يُعد شاملاً، لكنه يحمل رسائل قوية، خاصة بعد تدخل القاذفات الاستراتيجية من طرازي "أنتينوف 55 وأنتينوف 92" في خطوة تهدف إلى استعراض القوة والضغط على كييف للقبول بالشروط الروسية.
وأضاف الخبير العسكري والاستراتيجي، أن من أبرز هذه الشروط تمسك روسيا بالمقاطعات التي سيطرت عليها، التي تُشكل نحو 20% من مساحة أوكرانيا، وأن موسكو لن تلجأ في الوقت الراهن إلى رد شامل، بل ستواصل تنفيذ عمليات مركزة ومؤثرة لزيادة الضغط على القيادة الأوكرانية.
ولفت أبو زيد إلى أنه حال استمرار الهجمات الأوكرانية ستقْدم روسيا على شن عملية عسكرية شاملة، تجمع بين القوات البرية والجوية، مع التركيز على التوغل باتجاه مدينة "سومي" التي تبعد حاليًا نحو 18 كيلومترا عن مواقع القوات الروسية.