توقع خبراء مختصون في العلاقات الدولية، تطوير موسكو لهجومها لضم "أوديسا" ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والتاريخية لها، لعزل أوكرانيا عن البحر الأسود والإمدادات القادمة لـ"كييف" من الأوروبيين لمواجهة الدب الروسي.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن موقف روسيا في المفاوضات لن يتحدد بالتصريحات ولكن بنتائج العمليات العسكرية، مشيرين إلى أن ما يطرح من موسكو سواء في إسطنبول أو فيينا أو غير ذلك، سيتم التعامل معه بالحرب.
وبينوا أن ضم موسكو لـ"أوديسا" سيكون بمثابة "الهجمة المرتدة" على الأوروبيين عندما تكون على الضفة المواجهة لـ"رومانيا" أحد أعضاء حلف الناتو في مرمى الآلة العسكرية الروسية، ولا سيما في حال إبرام اتفاق أمريكي روسي حول مصير الحرب أو خروج إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن "الناتو".
وكانت مصادر روسية رفيعة المستوى كشفت مؤخرًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يذهب إلى مسارات تفاوضية حاسمة في العملية العسكرية على أوكرانيا، دون ضم "أوديسا" إلى روسيا.
وأوضحت المصادر، أن إنهاء روسيا حربها عبر الدخول في مفاوضات حقيقية، لن يكون إلا بالسيطرة الكاملة على أوديسا وإخضاعها لـ"موسكو".
خنق أوكرانيا
ويقول مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث والدراسات الاستراتيجية في موسكو، الدكتور آصف ملحم، إن مقاطعة أوديسا من أهم المنافذ البحرية لأوكرانيا على البحر الأسود، وخروج هذا المنفذ البحري من العمل سيؤدي في حال ضم موسكو له إلى خنق أوكرانيا تقريبًا، إذ لن تتمكن من استقبال أو إرسال أي بضائع عبره، في وقت يعتبر فيه النقل عبر الطرق البرية أكثر صعوبة وأعلى كلفة.
وأضاف ملحم في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن مقاطعة أوديسا توجد بها 3 مرافئ على البحر الأسود، هي: يوجني، أوديسا، وتشيرنومورسك، بجانب مجموعة من المرافئ النهرية الواقعة على نهر الدانوب، الذي يصب في البحر الأسود ويفصل أوكرانيا عن رومانيا، وهي: إسماعيل، وريني، أوست-دانوب، فضلًا عن مجموعة من المرافئ الواقعة على الخلجان الصغيرة المرتبطة بالبحر الأسود، أهمها "بيلغورود-دنيستروفسكي" المرتبط بنهر دنيستر الذي يمتد داخل مولدوفا، في وقت يركز فيه القصف الروسي الانتقامي على هذه البنى التحتية المهمة.
ساحة حرب حمراء
وأردف ملحم، أنه وفقًا لتقارير، فإن أوكرانيا تحت غطاء السفن التجارية أخفت الكثير من الصناعات العسكرية المرتبطة بالدرونات البحرية والهوائية، في ظل وجود خبراء أجانب هناك يعملون على توجيه هذه المسيرات، بجانب العديد من المنشآت العسكرية في أوديسا ونيكولاييف المرتبطة بالحرب الإلكترونية ومستودعات الذخيرة والسلاح.
وبحسب ملحم فقد تحولت أوديسا ومعها نيكولاييف والمياه الإقليمية الأوكرانية المحيطة بهما إلى ساحة حرب "الحمراء"، وقد تقوم روسيا بتطوير هجومها نحو هاتين المقاطعتين وصولًا إلى ضمهما، الأمر الذي في حال حدوثه يمكّن روسيا من عزل أوكرانيا عن البحر الأسود كليًّا من جهة، ويجعلها تقوم بإعادة ضم جمهوريتي ترانسنيستريا وغاغاوزيا "الملدافيتين" غير المعترف بهما إلى روسيا من جهة أخرى.
ولفت ملحم إلى أن موقف روسيا في المفاوضات لن يتحدد بالتصريحات، بل بنتائج العمليات العسكرية، وكل ما سيطرح على الطاولة سواء في إسطنبول أو فيينا أو غير ذلك، سيتم التعامل معه بالقتال، مشيرًا إلى أنه في حال تحركت الجبهة الروسية بشكل كبير إلى الغرب بحلول الخريف، فقد يتم تضمين أوديسا ونيكولاييف في الحزمة.
رمزية أوديسا
ويرى الخبير في الشؤون الأوروبية فتحي ياسين، أنه إذا جرى اتفاق أمريكي روسي حول مصير الحرب أو كان الذهاب من جانب إدارة ترامب إلى الخروج عن مظلة الناتو ستكون الفرصة سانحة لـ"موسكو" حتى يتحرك بوتين لضم "أوديسا"، إحدى أهم جمهوريات الاتحاد السوفيتي، التي لها أبعاد تراثية وثقافية وتاريخية مرتبطة بهذه الحقبة التاريخية للروس، والتي خرجت من أيديهم في وقت الضعف مع انهيار الاتحاد منذ أكثر من 3 عقود.
وأضاف ياسين في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنه يجب الوضع في الاعتبار أن الروس لا يتركون في قوتهم أي مجال لعدم رد اعتبار يتعلق بسقطة أو واقعة أو وصمة في تاريخهم يريدون محوها، حيث يعتبر خروج "أوديسا" عن نفوذهم أحد فصول "الذاكرة" المرسخة في أذهانهم تجاه الغرب بقيادة الولايات المتحدة في تفكيك كتلتهم في نهاية حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.
وأردف، أن الذهاب إلى ضم أوديسا سيكون مرحلة فاصلة أمام الكرملين، فهي ذات أهمية استراتيجية وعسكرية، حيث لن يكون من خلالها ضرب أحد أهم منافذ الإمداد الأوروبي إلى الأوكرانيين في هذه الحرب فحسب، ولكنها ستجعل كييف تتحرك بالشروط التي يضعها بوتين مهما كانت مذلة.
وذكر ياسين أن هناك العديد من الأهداف العسكرية المتعلقة بالحرب أيضًا فيما يتعلق بضرب خطوط إمدادات الغرب إلى أوكرانيا، ولكن هناك البعد السياسي الاستراتيجي الأهم من ضم "أوديسا" لموسكو، حيث ستكون أكثر قربًا من حدود حلف شمال الأطلسي مباشرة على ضفة مواجهة لـ"رومانيا" أحد أعضاء "الناتو".