في تصعيد دراماتيكي للتوترات عبر الأطلسي، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات على شخصيات أوروبية بارزة، من بينهم المفوض الأوروبي السابق الفرنسي تييري بريتون.
هذه الخطوة غير المسبوقة تأتي في سياق معركة محتدمة حول تنظيم منصات التواصل الاجتماعي وحرية التعبير، حيث تتهم واشنطن هؤلاء المسؤولين بـ"الرقابة" على الآراء الأمريكية.
بريتون، الذي كان وزيرًا فرنسيًّا سابقًا ومهندسًا رئيسيًّا لقانون الخدمات الرقمية الأوروبي، أصبح الآن ممنوعًا من دخول الولايات المتحدة في قرار يعكس عمق الخلاف بين الإدارة الأمريكية الجديدة والاتحاد الأوروبي حول تنظيم عمالقة التكنولوجيا.
عقوبات تأشيرات إدارة ترامب استهدفت 5 شخصيات أوروبية بارزة في مجال تنظيم التكنولوجيا ومكافحة المعلومات المضللة على الإنترنت، من بينهم بريتون. هؤلاء الأشخاص، الذين يُنظر إلى أعمالهم على أنها "رقابة" تضر بالمصالح الأمريكية، أصبحوا الآن ممنوعين من الإقامة في الولايات المتحدة.
"لفترة طويلة جدًّا، قاد الأيديولوجيون الأوروبيون جهودًا منظمة لإجبار المنصات الأمريكية على معاقبة الآراء الأمريكية"، هكذا برر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو القرار على منصة "إكس".
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعرضت منصة "إكس" لغرامة قدرها 120 مليون يورو لانتهاكها التزاماتها بالشفافية في إطار قانون الخدمات الرقمية، وهو تشريع أوروبي ينظم عمل المنصات الرقمية ودخل حيز التنفيذ في فبراير/ شباط 2024. أثار هذا القرار غضب البيت الأبيض. وقال روبيو: "إدارة ترامب لن تتسامح بعد الآن مع هذه الأعمال الصارخة للرقابة خارج الحدود الإقليمية".
"للتذكير: 90% من البرلمان الأوروبي - المنتخب ديمقراطيًّا - والدول الأعضاء السبع والعشرون بالإجماع صوتوا لصالح قانون الخدمات الرقمية"، رد تييري بريتون، على منصة "إكس".
وأضاف بحدة "لأصدقائنا الأمريكيين: الرقابة ليست حيث تعتقدون"، منتقدًا "رياح المكارثية"، في إشارة إلى حملة مطاردة الساحرات المعادية للشيوعية التي قادها السيناتور الأمريكي جوزيف مكارثي في الخمسينيات.
في باريس أعرب جان نويل بارو عن استيائه في رسالة نشرها على منصة "إكس" قائلًا: "تدين فرنسا بأقصى قدر من الحزم قيود التأشيرة التي فرضتها الولايات المتحدة على تييري بريتون، الوزير والمفوض الأوروبي السابق، و4 شخصيات أوروبية أخرى"، مضيفًا "شعوب أوروبا حرة وذات سيادة ولا يمكن أن تفرض عليها من الآخرين القواعد التي تنطبق على فضائها الرقمي".
تييري بريتون، المولود في الـ15 من يناير/ كانون الثاني 1955 في باريس، هو رجل أعمال وسياسي وكاتب فرنسي، شغل منصب المفوض الأوروبي للسوق الداخلية من 2019 إلى 2024
بدأ بريتون مسيرته المهنية كمدرس للرياضيات وتكنولوجيا المعلومات في المدرسة الفرنسية بنيويورك عام 1979. في عام 1981، أسس شركته الخاصة "Forma Systems" للتحليل النظمي وهندسة البرمجيات، التي قادها حتى عام 1986. انتقل بعد ذلك إلى العمل كمستشار في وزارة التعليم والبحث الفرنسية، حيث صمم حديقة التكنولوجيا العلمية المفتوحة الشهيرة "Futuroscope".
في عالم الأعمال، قاد بريتون عمليات إنقاذ مذهلة لشركات عملاقة مثل جروب توماس مالتميديا، وفرانس تليكوم.
في عام 2005، عُين بريتون وزيرًا للاقتصاد والمالية والصناعة في الحكومة الفرنسية، وهو المنصب الذي شغله حتى 2007. خلال فترته الوزارية، قاد بريتون العديد من الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وبعد مغادرة الحكومة، عمل أستاذًا في كلية هارفارد للأعمال (2007-2008)، قبل أن يتولى إدارة شركة "Atos" من 2009 إلى 2019، حيث حولها إلى أحد اللاعبين الرائدين في السوق الرقمية الأوروبية.
في 2019، عُين مفوضًا أوروبيًّا للسوق الداخلية تحت رئاسة أورسولا فون دير لاين، مع صلاحيات واسعة في الملفات الرقمية والصناعية والدفاعية. وفي هذا المنصب، أصبح المهندس الرئيسي لقانون الخدمات الرقمية الأوروبي الذي أثار غضب شركات "وادي السيليكون".
أما الأشخاص الأربعة الآخرون الذين تمت معاقبتهم، فهم: ممثلون عن منظمات غير حكومية تكافح المعلومات المضللة والكراهية على الإنترنت في المملكة المتحدة وألمانيا: عمران أحمد، الذي يقود مركز مكافحة الكراهية الرقمية (CCDH)، وكلير ميلفورد، على رأس مؤشر المعلومات المضللة (GDI) ومقره المملكة المتحدة، بالإضافة إلى آنا-لينا فون هودنبرغ، مؤسسة منظمة "HateAid" الألمانية، وجوزفين بالون من الجمعية ذاتها.
في أغسطس/ آب 2024، أرسل بريتون رسالة إلى إيلون ماسك قبل مقابلته مع دونالد ترامب، ذكّره فيها بضرورة الامتثال لقانون الخدمات الرقمية والإجراءات الرسمية الجارية بشأن عدم الامتثال المزعوم لمتطلبات المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة. هذه الرسالة أثارت غضب المسؤولين الأمريكيين بشكل خاص.
وأوضح روبيو أنه حدَّد أن دخول هؤلاء الأشخاص أو وجودهم أو أنشطتهم في الولايات المتحدة لها عواقب سلبية محتملة خطيرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ووصفهم بأنهم "ناشطون راديكاليون ومنظمات غير حكومية مسيّسة" روّجوا لحملات رقابة من قبل دول أجنبية تستهدف المتحدثين والشركات الأمريكية.
تأتي هذه الخطوة في سياق توتر متزايد بين إدارة ترامب والاتحاد الأوروبي حول تنظيم المنصات الرقمية، حيث ترى واشنطن أن القوانين الأوروبية تشكل تدخلًا غير مقبول في حرية التعبير الأمريكية، بينما يؤكد الأوروبيون حقَّهم السيادي في تنظيم فضائهم الرقمي وحماية مواطنيهم من المحتوى الضار والمعلومات المضللة.