خلال أسبوع مضطرب من الأحداث السياسية، تصدرت العلاقات الأمريكية-الروسية واجهة المشهد العالمي؛ ففي يوم الجمعة الماضي، احتضنت ألاسكا القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
القمة التي طال انتظارها، والتي شغلت العالم بتكهنات طويلة، جاءت لتكسر جمودًا استمر شهورًا في العلاقة بين واشنطن وموسكو.
ورغم أن ترامب دخل الاجتماع بنبرة متشددة وتهديدات واضحة، إلا أن لهجته ما لبثت أن تحولت إلى لينة بعد ثلاث ساعات من النقاش المكثف، بينما كان من المقرر أن يمتد اللقاء سبع ساعات كاملة.
وكانت النتيجة مثيرة للجدل: إعلان عن إنهاء الحرب في أوكرانيا دون توقيع اتفاق سلام أو التزامات ملموسة؛ حيث بدا وكأن ترامب ألقى بالكرة في ملعب كييف وأوروبا، متعمدًا التنصل من المسؤولية المباشرة، وفقًا لمجلة "مودرن دبلوماسي".
بعد ثلاثة أيام فقط، وتحديدًا يوم الاثنين، انتقل المشهد إلى واشنطن حيث استقبل ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفقة خمسة من أبرز القادة الأوروبيين، إلى جانب الأمين العام للناتو وقادة المفوضية الأوروبية.
وعلى عكس زيارته السابقة إلى البيت الأبيض في فبراير، خرج زيلينسكي هذه المرة من دون أي انتقاد علني من ترامب.
أدرك القادة الأوروبيون، على ما يبدو، أن لغة "المجاملة" هي السلاح الأمثل للتأثير على الرئيس الأميركي، لكن رغم هذا المناخ الهادئ، فشلت المحادثات مجددًا في انتزاع موقف متشدد من ترامب تجاه بوتين أو في الوصول إلى أي صيغة لسلام دائم.
تمسّك ترامب منذ بداية المفاوضات، بشروط قاطعة؛ أوكرانيا لن تُضم إلى الناتو، ومسألة شبه جزيرة القرم يجب طيها إلى الأبد بوصفها "خطأً" ارتكبته إدارة أوباما.
من جانبه، كشف ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص في الشرق الأوسط وصاحب النفوذ الواسع، عن حجر الزاوية في الرؤية الأمريكية الجديدة: “ترتيبات أمنية” تشبه المادة الخامسة من ميثاق الناتو، لكنها لا تعني الالتزام ذاته.
وبينما قبل بوتين بهذه الصيغة الفضفاضة خلال قمة ألاسكا، ظل الغموض قائمًا حول ما إذا كان المقصود هو تطبيق فعلي للمادة الخامسة أو مجرد نسخة مُخففة تمنح أوكرانيا تطمينات محدودة.
وسرعان ما اتجه النقاش إلى دور أوروبا في ضمان أمن أوكرانيا؛ حيث رفض ترامب، المتمسك بنهجه الأحادي، أن يكون الضامن المباشر لهذه الترتيبات، بينما ضغط القادة الأوروبيون لتوسيع الدور الأمريكي.
في السياق، استعرض الاتحاد الأوروبي مبادرة غير مسبوقة، إذ رفع ميزانية الدفاع إلى 5% من إجمالي الإنفاق بحلول 2031، واقترح في مارس الماضي مشروع "درع السماء" الأوروبي لحماية غرب ووسط أوكرانيا من الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية.
وتستهدف الخطة البنية التحتية الحيوية، المدن الكبرى، ومحطات الطاقة النووية، لكنها لم تتحقق بعد، ولا تشمل شرق أوكرانيا المشتعل.
لطالما اعتبر ترامب أن حرب أوكرانيا "حرب بايدن" التي لا يريد إطالتها؛ حتى قبل انتخابه، وعدا بإنهاء الحرب سريعًا، لكن بعد سبعة أشهر من ولايته، لم ينجح في ذلك.
هذا الفشل ألقى بظلاله على صورته كصانع سلام، خصوصًا مع اتهامه باللين تجاه بوتين، على الرغم من فرضه رسومًا جمركية على الهند لشرائها النفط الروسي.
في ظل غياب التوافق، طرح الأوروبيون مقترحًا لإرسال قوة حفظ سلام إلى أوكرانيا تقودها بريطانيا وفرنسا؛ لكن سرعان ما انهار المقترح أمام رفض ألمانيا وإيطاليا وحتى بولندا المشاركة.
أما الولايات المتحدة، فقد رفعت يدها عن أي التزامات عسكرية أو مالية إضافية تجاه كييف، تاركة أوروبا لتتجاوز بالفعل حجم المساعدات الأمريكية في الملف الأوكراني.
بينما تجتمع القمم وتُعقد المؤتمرات، يواصل الجيش الروسي تقدمه في دونباس، حيث بات يسيطر على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية.
أجمع الخبراء على أن بوتين لن يتخلى عن هذه الأراضي، فيما ترفض أوكرانيا أي اتفاق سلام يُفرض عليها بالقوة؛ وهكذا، تستمر حالة الجمود القاتل.
ترامب أعلن أخيرًا عن عقد قمة ثلاثية تجمعه مع زيلينسكي وبوتين؛ لكن مع كل أسبوع يمر، ومع تآكل الضمانات الأمنية وتوسع الاحتلال الروسي، يبدو السلام بعيد المنال.
وترفض أوكرانيا العودة إلى صيغة "بودابست 1994"، والاتحاد الأوروبي يرفض تكرار "اتفاقيات مينسك".
وبين طموحات "قوة طمأنة" أوروبية وأحلام ترتيبات أمنية صارمة شبيهة بالتحالفات الأمريكية-اليابانية أو الأمريكية-الكورية، يبقى الواقع على الأرض هو الحاكم: لا اتفاق، ولا انسحاب روسي، ولا سلام وشيك؛ حتى القمة المقبلة، سيظل العالم مترقبًا لسلام مؤجل عند حدود أوروبا.