في لحظة سياسية تكشف توازنات القوى العالمية الجديدة، حطّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي رحاله في العاصمة الهندية مساء الاثنين، ليبدأ سلسلة محادثات مع نظيره الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، قبل لقاء مرتقب مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
الزيارة، التي تُعد الأولى منذ أكثر من 3 سنوات، تُعد بمنزلة اختبار ناري للعلاقات الصينية–الهندية، ورسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة التي تواصل شن حربها الاقتصادية عبر فرض تعريفات جمركية خانقة.
منذ أن قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 20% في مارس الماضي، والصدمة الاقتصادية لم تتوقف.
فالهند أيضًا تضررت من السياسات التجارية الأمريكية، إذ تراجعت صادراتها إلى السوق الأمريكي بنحو 12% خلال الأشهر الستة الماضية، ما دفع نيودلهي للبحث عن متنفس جديد للتعاون مع بكين.
في هذا السياق، تحولت المواجهة مع ترامب إلى عدو مشترك. ومن هنا برزت فكرة "التانجو الآسيوي" – أو ما وصفته بكين بـ "رقصة الفيل والتنين" – كاستراتيجية اضطرارية لمواجهة الضغوط الخارجية.
ويرى الباحث أحمد حسني، المتخصص في الشؤون الآسيوية، أن العلاقة الصينية–الهندية تظل "شراكة تكتيكية هشّة"، إذ يمنعها من التحول إلى تحالف استراتيجي كامل تعقّد الخلافات الحدودية، ودور باكستان، وصراع النفوذ في المحيطين الهندي والهادئ، ما يجعلها قابلة للانهيار عند أول توتر جيوسياسي.
ورغم ابتسامات الدبلوماسية، تبقى الملفات الشائكة على الطاولة، مثل النزاع الحدودي؛ إذ تمتلك الدولتان أكثر من 3,440 كم من الحدود المشتركة لا تزال موضع خلاف، خاصة في مناطق لاداخ وأروناتشال براديش.
كما أن استمرار بكين في دعم إسلام آباد سياسيًا وعسكريًا قد يشكّل عائقًا، بينما تتهم نيودلهي جارتها بتمويل جماعات إرهابية عبر الحدود.
يميل العجز التجاري بشدة لصالح بكين، مع عجز هندي تجاوز نحو 70 مليار دولار، في حين بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 138.8 مليار دولار في 2024.
ويشير "حسني" في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن العجز التجاري مع الصين، الذي يتجاوز 70 مليار دولار، يمثل تهديدًا استراتيجيًا للهند أكثر منه خللًا تجاريًا، لأنه يعكس تبعية هيكلية تُضعف صناعاتها.
وأضاف أنه رغم ذلك لا يُلغي التعاون مع بكين، بل يدفع نيودلهي إلى الضغط لتوسيع أسواقها وتنويع شراكاتها من أجل حماية استقلالها الاقتصادي وكبح النفوذ الصيني.
الهند اليوم تقف في موقع معقد؛ من جهة، لا تستطيع خسارة الولايات المتحدة، التي تُعد أكبر شريك تجاري لها بإجمالي تبادل يتجاوز 190 مليار دولار سنويًا.
ومن جهة أخرى، فإن التصعيد الأمريكي يضغط على نيودلهي لدعم مسار "التقارب الحذر" مع الصين، خصوصًا داخل تكتلات مثل البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، حيث يمكن مواجهة واشنطن جماعيًا.
وفي تصريحات متلفزة الشهر الماضي من بكين، قال جايشانكار بثقة: "علاقاتنا الثنائية تتحسن بشكل مطرد منذ لقاء مودي وشي جين بينغ في قازان في أكتوبر الماضي... وأنا واثق أن حواراتنا ستبقي هذا المسار الإيجابي حيًا".
لكن ترامب لا يهدأ. فإلى جانب حربه الجمركية، يواصل البيت الأبيض الضغط على نيودلهي عبر ملف صفقات السلاح، حيث تراجعت مشتريات الهند من السلاح الروسي بنسبة 40% خلال العام الماضي، نتيجة الضغوط الأمريكية المباشرة. هذا يجعل الصين شريكًا محتملًا لا غنى عنه، رغم كل الخلافات.
ويؤكد الباحث في الشؤون الآسيوية أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب فتحت مجالًا لتقاطع مصالح مؤقت بين نيودلهي وبكين، لكنها لا تصنع محورًا استراتيجيًا مضادًا لواشنطن، فالهند ما زالت تعتمد على الولايات المتحدة كضمان أمني ضد الصين، بينما ترى بكين أن نيودلهي جزء من محاولة أمريكية لتطويقها.
ما يحدث في نيودلهي ليس مجرد زيارة دبلوماسية، بل معركة صامتة على النفوذ العالمي؛ حيث تراهن الصين على "التانغو" مع الهند لتخفيف آثار الرسوم الأمريكية، والهند تحاول استخدام بكين كورقة موازنة في وجه واشنطن، أما ترامب فيواصل إشعال الجبهات الاقتصادية والسياسية.