رغم ما بين الهند والصين من نزاعات حدودية واختلال في موازين القوى وتنافس شرس على النفوذ، إلا أن الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عليهما، قد تدفعهما إلى تقارب "تكتيكي حذر"، وبما يشبه "زواج المصلحة" وفق تعبير تقرير لشبكة "سي إن إن".
ويخلق إعلان ترامب فرض رسوم جمركية "عقابية" على بكين ونيودلهي، مصلحة مشتركة بينهما، ومن شأنه أن يسرّع التحسّن في العلاقات المتوترة بين الهند والصين، وفق محللين.
وتجد نيودلهي وبكين نفسيهما في مواجهة واشنطن المتقلبة وغير المتوقعة التي تعامل الشركاء الاستراتيجيين والمنافسين الجيوسياسيين بالازدراء المعاملاتي نفسه، سواء كانوا في أوروبا أو آسيا.
لكن من خلال توبيخ الهند لعدم وجود اقتصاد أكثر انفتاحاً، وارتباطاتها في مجال الطاقة مع روسيا، فإن إدارة ترامب تعاقب الأمة نفسها التي أنفقت الولايات المتحدة سنوات في رعايتها كقوة موازنة ديمقراطية لقوة الصين، الأمر الذي خلق فرصة لبكين.
ويتجلى هذا التغيير التكتيكي في الخطط المعلنة لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون في وقت لاحق من هذا الشهر، والتي ستكون أول زيارة له إلى الصين منذ سبع سنوات.
عندما طُلب من متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تأكيد التقارير الإعلامية الهندية حول حضور مودي، قال إن بكين "ترحب" بحضور مودي الاجتماع. وقال المتحدث باسم الوزارة، غوه جيا كون: "نعتقد أنه بفضل الجهود المتضافرة لجميع الأطراف، ستكون قمة تيانجين ملتقى للتضامن والصداقة ونتائج مثمرة".
مع ذلك، وبينما تظهر المجاملات في العلن، يقول المحللون إن تحالف بكين ونيودلهي قائم على المصلحة، وليس على الإقناع، إذ لا يزال انعدام الثقة الاستراتيجي المتجذر بين عملاقي آسيا، والذي نشأ عن صراعهما الحدودي وصراعهما على الهيمنة الإقليمية، راسخاً.
وفي الوقت الحالي، لا تجمع الهند والصين جزئياً رؤية مشتركة، بل خصم مشترك في البيت الأبيض، كما تقول فرحة عامر، مديرة مبادرات جنوب آسيا بمعهد سياسات جمعية آسيا، مرجّحة تحسناً أكبر في علاقات بكين ونيودلهي في مواجهة الولايات المتحدة الصعبة.
لكن فرحة عامر تحذر من أن نيودلهي يجب ألا تغفل عن واشنطن "وتخاطر بعكس النمو في العلاقات التي عملت جاهدة منذ فترة طويلة على تحقيقها".
يقول المحللون إن العواقب غير المقصودة لسياسات ترامب من شأنها أن تدفع المتنافسين التاريخيين نيودلهي وبكين إلى "احتضان استراتيجي"، إذ شهدت علاقاتهما تطبيعاً تدريجياً بعد لقاء مودي بالزعيم الصيني شي جين بينغ على هامش قمة البريكس في روسيا، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
واتفقت الهند والصين على استئناف الرحلات الجوية التجارية المباشرة، ووافقت بكين مؤخراً على إعادة فتح موقعين للحج في غرب التبت أمام الهنود لأول مرة منذ خمس سنوات، وبدأ كل منهما إعادة إصدار تأشيرات سياحية لمواطني الآخر.
ويشير فايشناف من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى أن الهند أبدت استعداداً أكبر لتعزيز الروابط التجارية والاستثمارية مع الصين، لأسباب اقتصادية خاصة بها، وتحديداً تباطؤ النمو وانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر.
لكن هذا التقارب يظل محدوداً بسبب انعدام الثقة العميق بينهما، والذي يتجذر في اشتباكاتهما الحدودية المميتة في جبال الهيمالايا، وترسيخ الصين الاستراتيجي في باكستان، رغم ذلك يتوقع فايشناف أن يكون المستقبل ثنائياً، متوقعاً تعاوناً اقتصادياً متزايداً إلى جانب التنافس الاستراتيجي.