logo
العالم

الهند والصين على حلبة النفوذ.. هل تصمد "رقصة المصالح" أمام إرث العداء؟

الهند والصين على حلبة النفوذ.. هل تصمد "رقصة المصالح" أمام إرث العداء؟
الرئيسان الصيني والهندي في لقاء سابقالمصدر: رويترز
07 أغسطس 2025، 12:41 م

يستعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لزيارة الصين لأول مرة منذ سبع سنوات، في مؤشر على تحرك محتمل نحو تهدئة التوترات بين القوتين النوويتين.

وتشهد العلاقات الهندية الصينية تحركًا غير مسبوق مع الإعلان عن هذه الزيارة التي تمثل مؤشرا على بداية محتملة لتقارب بعد توترات حدودية واقتصادية حادة.

وفي مشهدٍ بدا أشبه برقصة حذرة بين قوتين نوويتين، شهدت العلاقات بين البلدين تحولًا لافتًا منذ العام 2024، أعاد إلى الأذهان تعبير "رقصة الفيل والتنين" الذي استخدمه وزير الخارجية الصيني وانغ يي لوصف علاقة البلدين.

لكن خلف الكواليس، لا تزال الشكوك والرهانات المتبادلة تخيم على الأجواء، في صراع طويل بين الصعود الهندي والهيمنة الصينية.

وفقاً للتقارير الصحفية، تأتي الزيارة الهندية بعد قطيعة دامت سبع سنوات بسبب النزاعات على الحدود في منطقة لداخ وحوادث التصعيد العسكري منذ عام 2020، حيث قتل أكثر من 20 جنديًا هنديًا في مناوشات حدودية. رغم الانفتاح الجديد، لا تزال الثقة بين الطرفين محدودة، خاصة مع استمرار بعض الخلافات الحدودية، إلا أن لغة المصالح تفرض على الطرفين البحث عن صيغ تفاهم جديدة.

ويرى أميت كومار، الخبير في الشؤون الجيوسياسية بمؤسسة "تاكشاشيلا" البحثية الهندية، أن "زيارة مودي المرتقبة إلى الصين تُعد اختبارًا حقيقيًا لمدى استعداد الجانبين للانتقال من مرحلة إدارة الأزمة إلى محاولة بناء تفاهمات طويلة الأمد".

لكن قال "كومار" إنه في نظر نيودلهي، هذه الزيارة لن تكون مجرّد مجاملة دبلوماسية، بل مشروطة بإشارات واضحة من بكين بشأن احترام خطوط التفاهم الحدودي والتخلي عن محاولات فرض أمر واقع.

يُدرك مودي أن أي تقارب مع الصين دون حل حقيقي للأزمة الحدودية سيُفسَّر داخليًا كتنازل استراتيجي، وهو ما لا يمكن لرئيس وزراء هندوسي قومي في سنة انتخابية أن يقبله بسهولة".

من التصعيد إلى التهدئة

في أكتوبر 2024، توصّلت نيودلهي وبكين إلى اتفاق غير معلن لتنسيق الدوريات العسكرية في منطقتي ديبسانغ وديمشوك الحدوديتين، ما وضع حدًا لأزمة عسكرية استمرت أربع سنوات منذ اشتباك وادي جالوان الدموي عام 2020.

جاء ذلك، بعد سلسلة لقاءات سياسية رفيعة، أهمها قمة قازان التي جمعت الرئيس الصيني شي جين بينغ برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لتُشكل بداية ما وُصف بـ"الانفراجة المدروسة". لكنّ هذه المصافحة الدافئة، بحسب مراقبين، لم تُنهِ بعد لعبة الكر والفر الجيوسياسية بين العملاقين الآسيويين.

وأكد "كومار" أن "ما نشهده بين الهند والصين ليس تقاربًا حقيقيًا بقدر ما هو إدارة مدروسة لحالة نزاع مزمن. فالاتفاقات الأخيرة تخفف التوترات، لكنها لا تعالج القضايا الجوهرية، وعلى رأسها ترسيم الحدود والمخاوف الأمنية المتبادلة".

رغم الغموض الرسمي حول تفاصيل الاتفاق، ترى مراكز تحليل صينية أن الهند "انتزعت" اعترافًا غير مباشر بحقوقها في الدوريات ضمن مناطق متنازع عليها، بعد انسحاب القوات الصينية من مواقع كانت ترفض تركها سابقًا.

في المقابل، تُصور بكين الخطوة على أنها تنازل مدروس لا يمس السيادة، بل يخدم مصالح استراتيجية أوسع في ظل احتدام الصراع مع واشنطن.

النتيجة؟ خريطة حدودية جديدة تُرسم عبر "مناطق عازلة خاضعة لدوريات متبادلة"، بينما تُرحّل قضايا السيادة لمفاوضات طويلة تحت مظلة "آلية الممثلين الخاصين" التي استُؤنفت بعد خمس سنوات من الانقطاع.

مصالح متشابكة

الخطاب الصيني الداخلي لا يُخفي ازدواجيته: تهدئة ظاهرية في ملف الحدود، يقابلها تشديد غير معلن على القيود الاقتصادية تجاه الهند. فبينما تُظهر البيانات الرسمية انفتاحًا على استئناف الرحلات والتبادل التجاري، تُمارس بكين ضغوطًا خفية لحرمان نيودلهي من التكنولوجيا والاستثمارات الصينية، لا سيما في قطاعات مثل الهواتف الذكية، وأشباه الموصلات، والطاقة الجديدة.

بل إن شركات صينية كبرى تواجه اتهامات بـ"الخيانة الاقتصادية" إذا تعاونت مع مصانع هندية، كما حصل في قضية شراكة China Minmetals مع Tata Steel، أو محاولة Foxconn نقل إنتاجها من الصين إلى الهند.

ويحذر "كومار" من أن الصين تحاول استخدام أدوات الاقتصاد لتليين الموقف الهندي، بينما تدير الهند التوازن بين الانفتاح الاقتصادي والتحفظ الاستراتيجي. في نهاية المطاف، طالما ظل عنصر عدم الثقة قائمًا، فإن أي تقارب سيبقى هشًا وقابلًا للانكفاء في لحظة واحدة".

الهند تصعد… والصين تراقب بقلق

في غضون أربع سنوات فقط، ارتفع إنتاج أجهزة iPhone في الهند 14 ضعفًا، مقابل تراجع الصين إلى حصة 50% من تصنيع منتجات Apple عالميًا. ومع سعي نيودلهي لعقد صفقات تجارية ضخمة مع الغرب – أبرزها مضاعفة التبادل مع أمريكا إلى 500 مليار دولار – تدق بكين ناقوس الخطر.

وأشارت أنتارا غوشال سينغ، زميلة في برنامج الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة أوبزرفر للأبحاث، نيودلهي، إلى أن الصين تخشى من أن تتحول الهند إلى "مصنع العالم التالي"، وهو كابوس استراتيجي قد يُطيح بتفوقها الصناعي، لا سيما في ظل تزايد العزلة الغربية لبكين وتوجه الشركات العالمية إلى تنويع سلاسل التوريد خارجها.

رغم إشادة الدوائر الرسمية في بكين بالتحسن الملحوظ في العلاقات مع نيودلهي، بدأت بعض الأصوات داخل المجتمع الاستراتيجي الصيني تُعرب عن تململ واضح إزاء ما تعتبره تباطؤًا هنديًا في مواكبة هذا الزخم بخطوات فعلية.

وفي هذا السياق، وجّه لان جيانكسو، مدير معهد دراسات آسيا والمحيط الهادئ التابع لمعهد الصين للدراسات الدولية، انتقادات صريحة للهند، مؤكدًا أن تصريحات رئيس الوزراء ناريندرا مودي الإيجابية تحتاج إلى ترجمة عملية على الأرض. وسرد جملة من الملفات التي تُثير الاستياء الصيني، من بينها: التأخير في استئناف الرحلات الجوية المباشرة، الإبقاء على القيود المفروضة على الاستثمارات الصينية، رفض منح التأشيرات للمديرين التنفيذيين الصينيين، وأخيرًا إلغاء عقود شراء 400 طائرة مسيّرة كانت موجهة من الصين إلى وزارة الدفاع الهندية.

واعتبر جيانكسو أن نيودلهي لا تزال تتعامل مع تحسين العلاقات مع بكين بمنطق الانتظار والترقّب، كما لو أنها تنتظر "لحظة دولية مواتية" قبل اتخاذ أي خطوات حقيقية تُفضي إلى تغيير نوعي في العلاقات الثنائية.

الهند بين شراكة أمريكا ومنافسة الصين

تمثل التجارة والاستثمار ركيزتين حاسمتين في معادلة العلاقات الهندية مع كلٍّ من الصين والولايات المتحدة، حيث تتصارع الأرقام في رسم ملامح التحالفات المستقبلية.

فعلى الرغم من التوترات السياسية، جاءت الصين كثاني أكبر أكبر شريك تجاري للهند في عام 2024-2025، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 127 مليار دولار، إلا أن هذا الرقم يخفي وراءه عجزًا تجاريًا هنديًا ضخمًا بلغ 99.2 مليار دولار، ما يعادل أكثر من ثلث العجز الكلي للهند مع بقية دول العالم. 

في المقابل، تُظهر أرقام التبادل التجاري مع الولايات المتحدة تحولًا لافتًا في الأولويات الاقتصادية للهند. إذ تجاوز حجم التجارة الثنائية مع واشنطن 131 مليار دولار في 2024-2025، ما جعل الولايات المتحدة تتفوق على الصين وتصبح الشريك التجاري الأول للهند. 

وبين قطبي التنافس، تقف الهند في موقع معقد: فهي تدرك أهمية الحفاظ على علاقات اقتصادية مستقرة مع الصين، وفي الوقت نفسه تعمق شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. 

وفي ضوء هذه الديناميات، لم تعد الهند تكتفي بلعب دور "الحليف الصاعد"، بل تتجه نحو موقع "الطرف المتوازن" الذي يستخدم الأرقام الاقتصادية كورقة ضغط تفاوضية في لعبة المصالح بين بكين وواشنطن.

أخبار ذات علاقة

علما الهند والولايات المتحدة

الهند رداً على رسوم ترامب الجديدة: "سنتخذ ما يلزم"

 

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC