شكّلت الزيارة الأولى للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى باكستان في 2 أغسطس/ آب، منعطفاً مهماً في العلاقات الثنائية، إذ تصدّرت الأزمة الأمنية المتفاقمة في إقليم سيستان وبلوشستان جدول المباحثات مع القادة الباكستانيين.
وبحسب تقرير نشرته منصّة The Cradle الإعلامية، لم تكن دلالة إشراك منصور بيجار، الحاكم البلوشي الجديد للإقليم، في الوفد الرئاسي الإيراني، خافية على المراقبين. فالبيان المشترك الصادر في ختام الزيارة التي استمرت يومين تضمّن لغة غير معهودة في صراحتها، أكد فيها الجانبان التزامهما المشترك بمواجهة الجماعات المسلحة على الحدود الطويلة بينهما.
ويقول منصور خان محسود، المدير التنفيذي لمركز أبحاث المناطق القبلية في باكستان: "لقد توصّل البلدان إلى قناعة مفادها بأن ما يجري في بلوشستان لم يعد مجرد حركة تمرد محلية، بل تحوّل إلى ساحة تجاذب جيوسياسي معقّد، استغلته أطراف إقليمية ودولية لحشد الجماعات الساخطة وتحريكها وفق مصالحها".
قبل حادثة تحطّم المروحية في 20 مايو/أيار التي أودت بحياة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، كان المسؤولون الإيرانيون قد تحدّثوا علناً عن "دول ثالثة" تقف وراء الاضطرابات. ففي يناير 2024، أشار عبد اللهيان خلال مؤتمر صحفي مشترك في إسلام آباد إلى دعم خارجي للمسلحين الناشطين في المنطقة الحدودية، وإن تجنّب ذكر أسماء محددة.
غير أن الأمور تبلورت أكثر مع إعلان وزارة الاستخبارات الإيرانية في 28 يوليو إحباط تسلل ما لا يقل عن 450 مقاتلاً أجنبياً خلال المواجهات مع إسرائيل في يونيو، بينهم نحو 300 عنصر رُصدوا على مقربة من الحدود الجنوبية الشرقية لإيران. وخلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، ألقت السلطات القبض على قرابة 21 ألف شخص بتهم متفاوتة أو لأغراض التحقيق.
واتهمت طهران إسرائيل مباشرة بتجنيد مرتزقة عبر جبهة تحرير بلوشستان المتحدة (BLUF) التي تضم انفصاليين من جانبي الحدود. ويضيف محسود: "لقد اكتشفت إيران خلال المواجهة الأخيرة صلة وثيقة بين الانفصاليين البلوش وإسرائيل. وتبادل المعلومات مع تل أبيب كبّدها خسائر بشرية ومادية كبيرة".
في 12 يونيو، أعلن معهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط (MEMRI)، وهو مركز أبحاث مؤيد لإسرائيل مقره واشنطن، عن إطلاق مشروع دراسات بلوشستان. وتعتبر طهران وإسلام آباد هذا التحرك جزءاً من محاولة هندية–إسرائيلية لإعادة تشكيل التوازنات في المنطقة.
ويقول عبد الله خان، رئيس معهد دراسات النزاعات والأمن في إسلام آباد: "تسعى إيران إلى تعزيز تعاونها مع باكستان بعدما بات ارتباط الجماعات المسلحة بإسرائيل أوضح من أي وقت مضى. وقد يتصاعد هذا التنسيق إذا بادرت طهران إلى مواجهة معاقل جماعتي جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان على أراضيها. الهند بدورها بنت علاقات متينة مع هاتين الجماعتين، ما يجعلها حلقة وصل بينهما وبين إسرائيل".
وفي هذا السياق، عقد معهد السياسات في إسلام آباد جلسة نقاشية سبقت زيارة بزشكيان، شددت على ضرورة تطوير شراكة أوثق لمواجهة التحديات المشتركة.
وحذّر السيناتور مشاهد حسين من نشوء "محور هندي–إسرائيلي" يستهدف إيران وباكستان معاً: "إن دعم باكستان لإيران يعكس متانة الروابط بين البلدين القائمة على مصالح مشتركة. لقد واجه الطرفان اعتداءات على أسس زائفة، وأثبتا أن أسطورة تفوّق الهند وإسرائيل قابلة للتصدع" وفق تعبيره.
ومن بين المشاركين في مشروع MEMRI، الناشط مير يار بلوش، القيادي في حركة بلوشستان الحرة، الذي دعا صراحةً إلى إقامة بلوشستان مستقلة وعلمانية تمتد بين إيران وباكستان، وسعى للحصول على دعم هندي لتحقيق هذا الهدف.
تحوّلت بلوشستان تدريجياً إلى ساحة صراع بالوكالة. ويثير تزايد نشاط الاستخبارات الإسرائيلية مخاوف عميقة لدى كل من طهران وإسلام آباد من تعميق الروابط بين الموساد والجماعات الانفصالية، الأمر الذي يهدد استقرار منطقة غنية بالموارد لكنها تعاني من التهميش التنموي.
وفي الوقت نفسه، يرى مسؤولون في باكستان أن الهند توظف ورقة بلوشستان للضغط على إسلام آباد، وللتشويش على مشروع الحزام والطريق الصيني الذي يمر عبر الإقليم. ولم يكن هذا التدخل الهندي وليد اللحظة؛ ففي 2016، اعتقلت قوات باكستانية الضابط البحري الهندي كولبهوشان جاداف، الذي اعترف بتنسيق عمليات تخريب مع جماعات بلوشية، وقدمت باكستان أدلتها لاحقاً إلى مجلس الأمن الدولي.
ويقول محسود: "الاحتمال يتزايد بأن لإسرائيل قنوات اتصال مع المتمردين البلوش، خصوصاً في ظل الشراكة العسكرية الوثيقة مع الهند. وتشير تقارير إلى وجود عناصر من الموساد في الهند أثناء المواجهة العسكرية القصيرة مع باكستان".
على الرغم من أن البلدين تبادلا في الماضي الاتهامات بإيواء المسلحين، بل وصل الأمر إلى تبادل غارات جوية في مطلع 2024، فإن التدخلات الخارجية المتنامية دفعت طهران وإسلام آباد إلى مراجعة حساباتهما.
وباتت الهجمات اليومية على قوات الأمن حقيقة مأساوية؛ ففي شهر واحد فقط، فقد الجيش الباكستاني سبعة ضباط بهجمات مسلحة، بخلاف الخسائر في صفوف الجنود الأقل رتبة التي لا يعلن عنها غالباً.
لمواجهة هذا الواقع، وضع البلدان آليات لتبادل المعلومات الاستخباراتية وبروتوكولات مشتركة لمكافحة الإرهاب على امتداد الحدود الوعرة التي يبلغ طولها 900 كيلومتر، والتي تشكل بيئة مثالية لتحركات المسلحين والمهربين.
ويمكن القول إن الحملة الهندية–الإسرائيلية لتسليح النزعة الانفصالية في بلوشستان أضافت بعداً جديداً إلى صراعات المنطقة، فيما سيحدد مدى نجاح التنسيق الإيراني–الباكستاني مستقبل التمرد البلوشي في السنوات المقبلة.