بعد أربع سنوات من تعليق برنامج المدفع الكهرومغناطيسي رسميًا، عاد هذا السلاح المثير للجدل إلى واجهة النقاش العسكري في الولايات المتحدة، مدفوعًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب عن البوارج الجديدة من فئة "ترامب".
وبينما كان المشروع يُعد قبل سنوات إخفاقًا تقنيًا وماليًا كلّف الخزانة الأمريكية نحو 500 مليون دولار، يبدو أن التحولات الجيوسياسية وتسارع سباق التسلح البحري يعيدان إحياء فكرة طالما بدت أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الواقع العملياتي، بحسب صحيفة "يوراسيان تايمز".
في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2025، وخلال إعلان من مقر إقامته في مار-أ-لاغو، كشف ترامب عن سفن قتال سطحية ضخمة وصفها بـ"السفن الحربية"، ستكون بمنزلة سفن قيادة مستقبلية للبحرية الأمريكية.
وأكد أن أول هذه السفن، "يو إس إس ديفاينت"، سيجري تسليحها بمزيج من الصواريخ فرط الصوتية، وصواريخ كروز بحرية قادرة على حمل رؤوس نووية، وأسلحة طاقة موجهة، إضافة إلى "مدافع كهرومغناطيسية".
يمثل هذا الإعلان أول إشارة سياسية رفيعة المستوى منذ سنوات لاحتمال إعادة دمج المدفع الكهرومغناطيسي في الأسطول الأمريكي.
فقد أُوقف البرنامج عام 2021 بعد سلسلة من الإخفاقات التقنية وتجاوزات الكلفة، رغم أكثر من عقد من الأبحاث التي قادها مكتب البحوث البحرية، وبمشاركة شركات كبرى مثل "جنرال أتوميكس" و"بي إيه إي سيستمز".

وخلال مرحلة من التطوير، فكرت البحرية في تركيب المدفع على مدمرات "زوموالت" الشبحية، قبل أن تتراجع عن الفكرة.
ووفق تقديرات معهد هدسون، أنفقت الولايات المتحدة نحو 500 مليون دولار على البرنامج، بينما خُفّض تمويله تدريجيًا إلى أقل من 10 ملايين دولار في ميزانية عام 2021.
العيب الأكبر، وفق محللين عسكريين، تمثل في محدودية المدى العملي، الذي لم يتجاوز نحو 177 كيلومترًا خلال الاختبارات، ما يجعل السفن المجهزة بالمدفع عرضة لصواريخ العدو.
كما أن معدل الإطلاق ومتطلبات الطاقة الهائلة حدّت من جدواه في مهام الدفاع الجوي أو الصاروخي.
يتزامن خطاب ترامب مع تحركات لافتة من قطاع الصناعات الدفاعية، فقد عرضت شركة "جنرال أتوميكس" مؤخرًا نظام مدفع كهرومغناطيسي متعدد المهام، قالت إنه قابل للدمج في مبادرة "القبة الذهبية" للدفاع الصاروخي، ويمكن استخدامه لاعتراض الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيّرة.
وأوضح مايك روكر، رئيس قسم الأسلحة في الشركة، أن النظام قادر على إطلاق مقذوفات بسرعات تصل إلى 6 ماخ، وبطاقات تتراوح بين 3 و32 ميغا جول.
وأضاف أن "التحديات التقنية الأساسية تم حلها"، معتبرًا أن المشكلة سابقًا كانت في الموثوقية التشغيلية وليس في المبدأ العلمي.
ويرى محللون أن دمج هذا السلاح على بوارج جديدة قد يخفض تكلفة اعتراض التهديدات مقارنة بالصواريخ التقليدية الباهظة، خاصة إذا استُخدمت قذائف غير متفجرة تعتمد على الطاقة الحركية وحدها.
رغم التفاؤل المعلن، لا تزال العقبات التي أسقطت المشروع سابقًا قائمة، فالمدافع الكهرومغناطيسية تتطلب طاقة كهربائية هائلة تُخزّن في مكثفات ضخمة، إضافة إلى أنظمة تبريد معقدة.
كما أن تآكل القضبان بفعل الحرارة والإجهاد المغناطيسي ظل مشكلة مزمنة لم تُحل جذريًا.
وفي الوقت نفسه، واصلت دول أخرى التقدم في هذا المجال، فقد حققت اليابان اختراقًا ملحوظًا هذا العام بعد نجاحها في إطلاق قذائف من نموذج أولي لمدفع كهرومغناطيسي، بينما تواصل الصين استثماراتها المكثفة في هذا السلاح، ما يثير قلق المخططين العسكريين في واشنطن.
لكن إدماج المدفع في بوارج فئة "ترامب" سيضيف مليارات الدولارات إلى تكلفة سفن تُعد أصلًا من الأغلى في تاريخ البحرية الأمريكية.
ومع إصرار ترامب على دخول أولى هذه السفن الخدمة خلال أقل من ثلاث سنوات، يرى مراقبون أن تجهيز "يو إس إس ديفاينت" بمدفع كهرومغناطيسي قد يبقى، في المدى المنظور، طموحًا سياسيًا أكثر منه خيارًا عمليًا جاهزًا للتنفيذ.