في تصعيد جديد على الساحة الجيوسياسية، تعهدت بكين بتقوية جبهتها مع البرازيل ضد ما وصفته بـ"الأحادية والتنمر" الذي تمارسه الولايات المتحدة.
ففي مكالمة هاتفية مشحونة بالرسائل السياسية، أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره البرازيلي ماورو فييرا أن العلاقات بين بلادهما "تعيش أفضل مراحلها في التاريخ"، مؤكدًا استعداد الصين لقيادة تحرك منسق داخل كتلة البريكس لمواجهة الإجراءات الأمريكية العدوانية.
تأتي هذه التصريحات وسط أزمة تجارية متصاعدة بين البرازيل والولايات المتحدة، بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية تصل إلى 50% على مجموعة واسعة من السلع البرازيلية، من بينها القهوة وفول الصويا، في خطوة اعتبرتها الحكومة البرازيلية ردًا على ما وصفته بـ "الانتقام السياسي" ضد الرئيس السابق جايير بولسونارو.
أشارت وزارة الخارجية الصينية إلى أن العلاقات بين بكين وبرازيليا "في أفضل حالاتها في التاريخ"، فيما أكدت صحيفة جلوبال تايمز الرسمية أن وانغ شدد على التزام الصين بدعم الدول الناشئة في مواجهة الضغوط الغربية، مع التركيز على قوة مجموعة البريكس الاقتصادية.
وتُعد مجموعة البريكس، التي تقودها الصين وتضم اقتصادات صاعدة كالبرازيل والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، منصة استراتيجية للدول النامية لمواجهة سياسات القوى الغربية، بما في ذلك مجموعة السبع والمنتدى الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ.
وتدرس البرازيل الآن، بالتنسيق مع الصين والهند، اتخاذ إجراءات مضادة ضد العقوبات الأمريكية، في خطوة قد تشعل مزيدًا من التوترات التجارية العالمية.
لم يأتِ دعم بكين للبرازيل من فراغ، فقد عملت الصين خلال السنوات الأخيرة على توطيد علاقاتها مع أمريكا اللاتينية كاستراتيجية لمواجهة النفوذ التاريخي للولايات المتحدة في المنطقة.
وتجاوزت الصين واشنطن لتصبح أكبر شريك تجاري للبرازيل، وسجلت خطواتها في المبادرة العالمية للحزام والطريق مشاركة ثلث دول أمريكا اللاتينية، لتطوير البنية التحتية وتعميق الاعتماد على الاستثمارات الصينية.
وتُعد البرازيل المزود الرئيس لفول الصويا، الذي تعتمد عليه الصين بشكل كبير لتلبية احتياجاتها الغذائية، ما يجعل العلاقات التجارية بين البلدين استراتيجية وحيوية للطرفين.
توتّرت العلاقات بين واشنطن وبرازيليا منذ فرض ترامب الرسوم الجمركية في 6 أغسطس/ آب، رغم أن الولايات المتحدة تحقق فائضًا تجاريًا ضخمًا مع البرازيل بلغ 28.6 مليار دولار في عام 2024.
وفسّر ترامب إجراءات العقوبات على أنها رد على "حملة الملاحقة" القانونية ضد بولسونارو، ودعا إلى إسقاط التهم الموجهة له وفرض عقوبات على قاضي المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس.
لم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، فقد ألغت الولايات المتحدة مؤخرًا تأشيرة وزير العدل البرازيلي ريكاردو ليفاندوفسكي، ما أشعل غضب الحكومة البرازيلية وأعاد الملف التجاري والسياسي إلى دائرة الخطر.
يبدو أن بكين تضع البرازيل في قلب استراتيجيتها لتشكيل جبهة قوية ضد الولايات المتحدة، بينما يبحث الرئيس لولا دا سيلفا عن حلفاء لتعزيز موقف بلاده في المعركة التجارية.
وجاءت زيارة لولا الأخيرة للصين، والتي استمرت خمسة أيام في مايو/ أيار، لتؤكد متانة الروابط الثنائية وثقة القادة في بناء "مجتمع صيني برازيلي بمستقبل مشترك"، بحسب ما ذكر وانغ يي.
والآن، الصورة تتضح بجلاء حيث تراهن الصين على البرازيل لتعزيز نفوذها في أمريكا اللاتينية وتوطيد التنسيق مع اقتصادات البريكس الناشئة، بينما تواجه الولايات المتحدة تحديات متزايدة في مواجهة هذه التحالفات الدولية الجديدة وقد تسهم هذه الشراكة في إعادة تشكيل الصراعات الاقتصادية والسياسية على الصعيد العالمي وإعادة رسم خريطة النفوذ في نصف الكرة الغربي.