تتأهب إسرائيل لشن حرب جديدة وأكثر شراسة ضد إيران قبل نهاية العام الجاري، بحسب تقرير لموقع "زمان إسرائيل" العبري.
ويعزو مراقبون في تل أبيب هذا التقدير إلى إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على منع طهران من استعادة قدراتها العسكرية، لا سيما أن المواجهة الأخيرة مع إيران، أسفرت عن انتصار جزئي لإسرائيل، وفشلها في إحراز بعض أهدافها الاستراتيجية، بما في ذلك القضاء على القيادة الإيرانية، وخلق تفوق جوي إسرائيلي مستقل عن الولايات المتحدة.
الأكثر من ذلك هو تأكيد الموقع العبري أن إيران تستعد هي الأخرى لاحتمال اندلاع الحرب مجددًا مع إسرائيل، خاصة أن طهران انتهجت خلال الحرب السابقة استراتيجية "الحرب الطويلة"، وحددت توقيت هجماتها الصاروخية، وهي على قناعة بأن المواجهة طويلة الأمد.
أما في الجولة القادمة، فمن المرجح أن تتحرك إيران بسرعة وحسم من البداية، بهدف تبديد أي فكرة يمكن هزيمتها بها أمام التفوق العسكري الإسرائيلي.
لذلك، وفق تقديرات التقرير، قد تصبح الحرب القادمة أكثر دموية من الأولى، خاصة إذا استجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للضغوط الإسرائيلية مجددًا وانضم إلى المعركة.
ومن غير المستبعد أن تجد واشنطن نفسها في مواجهة شاملة أمام إيران، وهي المواجهة الأعنف إذا ما قورنت حينها بحرب الولايات المتحدة في العراق.
ويقر التقرير العبري أن حرب إسرائيل الأخيرة مع إيران في يونيو/ حزيران، لم تقتصر في أهدافها على البرنامج النووي الإيراني، بل سعت في جوهرها إلى تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، لا سيما أن الطاقة النووية تعد عاملًا مهمًا في هذا الخصوص، حتى إذا لم يكن حاسمًا.
ويشير التقرير أيضًا إلى أنه لأكثر من عقدين على التوالي، سعت إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة باتخاذ إجراء عسكري ضد إيران، وكان الهدف هو إضعاف طهران، واستعادة التوازن الإقليمي الذي تصبو إليه إسرائيل، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون التعاون مع واشنطن.
في هذا السياق، يرى المحلل الإسرائيلي تريسا فارسي، أن هجمات إسرائيل خلال ما يعرف بحرب الـ"12 يومًا"، أو "الأسد الصاعد"، كما تسميها إسرائيل، انطوت على ثلاثة أهداف، بعيدًا عن إلحاق الضرر بالبنية التحتية النووية.
وأوضح أن هذه الأهداف هي: جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، والقضاء على قادة النظام في طهران، وتحويل إيران إلى ما يضاهي سوريا أو لبنان، لتصبح إسرائيل قادرة على قصفها دون قيود ودون تدخل أمريكي.
عمليًا، بمنظور التقرير العبري، لم يتحقق سوى هدف واحد فقط من تلك الأهداف، إذ لم يمح ترامب البرنامج النووي الإيراني، ولم يعده إلى ما يمكن اعتباره "نقطة الصفر".
بعبارة أخرى، أحرزت هجمات يونيو/ حزيران (نصرًا جزئيًا) لإسرائيل في أفضل التقديرات، إذ كانت النتيجة المرجوة هي مشاركة ترامب بشكل كامل في الحملة العسكرية، بما يلحق ضررًا بالقوات التقليدية الإيرانية وبنيتها التحتية الاقتصادية.
لكن ترامب، حسب تقديرات التقرير العبري، آثر خوض عمل عسكري سريع وحاسم على حرب شاملة، لذا، كانت استراتيجيته في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية قائمة على الحد من التصعيد، لا توسيعه.
وعلى المدى القصير، نجح ترامب في ما يمكنه تحقيق الرضا الإسرائيلي، لكنه سمح لها على المدى البعيد بإمكانية التصعيد المستمر.
ويشير التقرير العبري إلى أن رفض ترامب التصعيد حينها إلى ما يتجاوز حملة جوية محدودة يعد أحد الأسباب الرئيسية لموافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار، لا سيما أنه مع استمرار الحرب، تكبدت إسرائيل خسائر فادحة، إذ تآكلت دفاعاتها الجوية، وحسّنت إيران قدرات اختراق إسرائيل صاروخيًا.
ويؤكد الواقع أن إسرائيل كانت ستواصل القتال على الأرجح لو التزمت الولايات المتحدة بإطالة أمد الحرب بشكل كامل. لكن الحسابات تغيَّرت حين اتضح أن هجمات ترامب كانت منفردة، وأيقنت واشنطن نجاح إسرائيل في جرها للحرب، لكنها فشلت في الوقت نفسه في الحفاظ على إبقائها على الجبهة الإيرانية.
ويشي كل ذلك بأن إسرائيل أخفقت في تحقيق الهدفين الآخرين في حرب "الأسد الصاعد"؛ فرغم الإنجازات الاستخباراتية الأولية بما في ذلك مقتل 30 شخصًا من كبار القادة الإيرانيين، و19 عالمًا نوويًا، فإن تعطيل هيكل القيادة والسيطرة الإيراني كان مؤقتًا، لا سيما أن إيران استبدلت في غضون 18 ساعة معظم قادتها، إن لم يكن جميعهم، وأطلقت وابلًا كثيفًا من الصواريخ؛ ما أظهر قدرتها على احتمال تكبد خسائر فادحة وتنفيذ هجمات مضادة عنيفة على إسرائيل.
في حملتها العسكرية الأخيرة، كانت الآمال الإسرائيلية معقودة على إثارة الذعر بين كبار قادة النظام الإيراني في محاولة للتعجيل بانهياره، وفقًا لما نقله الموقع العبري عن تقديرات صحيفة "واشنطن بوست"، التي أكدت تواصل عملاء الموساد الناطقين بالفارسية مع كبار المسؤولين الإيرانيين، وتهديدهم بقتلهم وعائلاتهم ما لم يصوّروا مقاطع فيديو، ينددون فيها علنًا بالنظام ويتخلّون عنه.
وخلال الساعات الأولى من الحرب، حين كانت النخبة الحاكمة الإيرانية لا تزال في حالة صدمة وتتكبد خسائر فادحة، تلقى قادة النظام الإيراني أكثر من عشرين نداءً من هذا القبيل.
مع ذلك، لا يوجد دليل على رضوخ أي جنرال إيراني للتهديدات، واستمر تماسك النظام قائمًا.
وخلافًا لتوقعات إسرائيل، لم يحرك اغتيال كبار قادة الحرس الثوري الإيراني احتجاجات جماهيرية، أو انتفاضة ضد الدولة الإيرانية، بل على العكس من ذلك، احتشد المواطنون من جميع الأطياف السياسية حول علم البلاد، والتهبت المشاعر القومية في جميع أنحاء إيران.
الثابت، وفقًا لموقع "زمان إسرائيل"، هو أنه لولا المساعدة الأمريكية الواسعة النطاق، التي شملت استخدام 25% من منظومات "ثاد" الدفاعية الأمريكية في غضون 12 يوماً فقط، لعجزت إسرائيل عن مواصلة القتال، ولعل ذلك هو ما يرجِّح شن هجوم إسرائيلي جديد على إيران، وهو ما ألمح إليه وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان إيال زامير.
وبحسب زامير، "لم تكن حرب يونيو/ حزيران على إيران سوى مرحلة أولى، والآن تدخل إسرائيل فصلًا جديدًا من هذا الصراع".
وبغض النظر عن استئناف إيران تخصيب اليورانيوم، لن تتراجع إسرائيل عن حرمانها من الوقت الذي تحتاجه لتجديد مخزوناتها الصاروخية، أو إعادة تأهيل دفاعاتها الجوية، أو نشر منظومات عسكرية معدَّلة.
هذا المنطق، بحسب التقرير العبري، هو أساس استراتيجية إسرائيل، وهى: "توجيه ضربات استباقية ومتكررة لمنع الأعداء من تطوير قدرات تهدد تفوق إسرائيل العسكري".