كشفت مصادر دبلوماسية عن انقسامات داخل القيادة الإسرائيلية بشأن التعامل مع الملف النووي الإيراني في ظل التطورات الجديدة، بعد إعادة تفعيل "آلية الزناد" بتجديد العقوبات الاقتصادية على طهران، وهو القرار الذي اتخذته القوى الأوروبية الثلاث الكبرى.
وبينما أكدت تلك المصادر أن قرار تفعيل "آلية الزناد" اتُخذ بـ "التنسيق الوثيق" بين القوى الأوروبية من جهة وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، إلا أن القادة السياسيين والدفاعيين في إسرائيل منقسمون بشأن مسألة اتفاق جديد.
ويؤيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وشريكه المقرب ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، استمرار الضغوط الدولية والاقتصادية على إيران، بدلا من التوصل إلى اتفاق.
ونقل موقع "المونيتور" الأمريكي عن أحد مساعدي نتنياهو أنه ينبغي "استثمار اللحظة" إذ يستمر الاقتصاد الإيراني في التدهور، ويتزايد نقص المياه، وهذا أمر يفاقم المتاعب على النظام.
إلا أن المسؤول الإسرائيلي يشك في قدرة إدارة دونالد ترامب على التوصل إلى اتفاق مضمون مع إيران من شأنه أن يحد بشكل أساسي من جهودها للوصول إلى قدرة عسكرية نووية، فيما ينقل تقرير "المونيتور" عن بعض المسؤولين العسكريين الإسرائيليين أن مثل هذا الاتفاق، إذا تم التوصل إليه وتنفيذه من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، "هو الخيار الأفضل".
ووفق مصدر استخباراتي إسرائيلي، فإن "إيران عالقة"، معتبراً أن من الأفضل "تجميدها في الوضع الراهن ووقف البرنامج النووي، مع ضمانات وإشراف دقيق".
وفي إشارة إلى تراجع الرئيس دونالد ترامب عن الاتفاق النووي الذي أبرم في عهد أوباما في عام 2018، نتيجة لضغوط نتنياهو من بين أمور أخرى، أضاف المصدر الاستخباراتي الإسرائيلي السابق: "لقد أدى الانسحاب الأمريكي إلى وصول إيران إلى النقطة الحالية، حيث أصبحت تقريباً دولة على عتبة نووية. علينا أن نتعلم هذا الدرس".
على مدار الشهر الماضي، انتشرت شائعات في إسرائيل عبر مجموعات واتساب ومواقع التواصل الاجتماعي، مفادها بأن إيران على وشك الرد على إسرائيل لقصفها منشآتها النووية في يونيو/حزيران، ويبدو أن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة.
لم يتغير ميزان القوى العسكرية لإيران تجاه إسرائيل بشكل جوهري منذ حرب يونيو التي استمرت 12 يوماً، إذ يبدو أن سلاح الجو الإسرائيلي يحتفظ بإمكانية وصول شبه مطلقة إلى أهداف في إيران، وهو ما حققه من خلال قصف استراتيجي للدفاعات الجوية الإيرانية.
إضافة إلى ذلك، تعثرت خطة إيران لتجديد مخزوناتها من الصواريخ الباليستية التي دمرتها إسرائيل بسرعة، وكذلك نشر أنظمة دفاع جوي جديدة.
وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي كبير إنه "على الرغم من أن رغبة إيران في الانتقام قوية، ونحن نعلم أنها ستحاول الانتقام عاجلاً أم آجلاً، فإن لديهم أموراً أكثر أهمية الآن، مثل تجديد العقوبات الأوروبية المشددة على إيران بسبب وقف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
ورغم الجهود العلنية التي تبذلها قيادة طهران للتخفيف من وطأة الضربات المهينة التي وجهتها إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو/حزيران، فإنها تُدرك بوضوح مدى اختراق إسرائيل لدفاعات إيران.
وأضاف المصدر الدبلوماسي الإسرائيلي الرفيع: "لا يزالون في حالة صدمة مما حدث، لكن من الواضح لنا أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لتغيير ميزان القوى".
وتابع: "ستبقى مسألة الانتقام مطروحة على جدول الأعمال على المديين المتوسط والطويل".
في الوقت نفسه، يعتقد البعض أن كلاً من إسرائيل وإيران تستعدان لجولة عسكرية جديدة، وصرح مسؤول أمني إسرائيلي كبير قائلاً: "لم تُقل الكلمة الأخيرة في الحرب نفسها بعد".
ويتناقض هذا الرأي مع ادعاء نتنياهو، الذي أدلى به لأول مرة في 24 يونيو/حزيران وكرره في 10 أغسطس/آب في مؤتمر صحفي، بأن "الهجوم الإسرائيلي على إيران يضمن مستقبل دولة إسرائيل لأجيال".
حتى وزير الخارجية جدعون ساعر، في إشارة إلى تفعيل الأوروبيين لـ "آلية الزناد"، قال يوم الخميس خلال زيارة لواشنطن: "لقد أزال التعاون الإسرائيلي الأمريكي الهجومي التهديد النووي الإيراني لبضع سنوات على الأقل".
ومع ذلك، اقترح نتنياهو نفسه عدة مرات منذ هجوم يونيو/حزيران أن هجوماً آخر ممكن، وسيشمل جهداً لتعبئة الولايات المتحدة.
وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى: "بقي 30 يوماً قبل دخول العقوبات حيز التنفيذ. إنها فترة طويلة جداً من الناحية الدبلوماسية. هذه اللعبة المُرهقة لن تنتهي، إنها بدأت للتو".