ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
بينما تصعّد واشنطن عملياتها العسكرية تحت شعار مكافحة "إرهاب المخدرات" في منطقة الكاريبي والهادئ، تتجه الأنظار نحو فنزويلا التي تجد نفسها في مواجهة ضغوط أمريكية غير مسبوقة.
فالهجمات المتكررة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تثير تساؤلات حول قدرة كاراكاس على الصمود؛ خصوصًا مع ما يبدو أنه تراجع في دعم الحلفاء التقليديين لنيكولاس مادورو، وعلى رأسهم الصين وروسيا وإيران، فهل يقترب الزعيم التشافيزي من لحظة عزلة حقيقية؟، بحسب "فرانس 24".
ملامح مواجهة مفتوحة
في بداية سبتمبر/أيلول، كشف ترامب عن أول عملية عسكرية استهدفت سفينة قال إنها تقل عناصر من شبكة "ترين دي أراغوا"، إحدى أخطر الجماعات الإجرامية الفنزويلية.
تبعتها أكثر من 20 ضربة أدت إلى مقتل العشرات، وسط غياب تام للتفاصيل حول هوية المستهدفين أو الأدلة التي استندت إليها واشنطن.
هذا التصعيد أعاد إلى ذاكرة المنطقة تدخلات الولايات المتحدة في بنما العام 1989، لكنه اليوم يأتي في سياق جيوسياسي شديد التعقيد؛ فوجود سفن وطائرات أمريكية قرب السواحل الفنزويلية أثار تكهنات حول احتمال توسيع العمليات إلى داخل الأراضي.
وهذا السيناريو يُسهم في توتر غير مسبوق على منصات التواصل والإعلام بين من يعتبرونها "الساعات الأخيرة لمادورو" وبين من يرون الرئيس الفنزويلي يظهر بمظهر الهادئ والمسيطر.
وتزداد الضبابية بسبب الرسائل المتناقضة من واشنطن: انفتاح على الحوار لإنقاذ "الأرواح"، ثم التهديد بعمليات برية، ثم إعلان إغلاق المجال الجوي الفنزويلي، قبل أن يفاجئ ترامب الجميع بالاعتراف بمحادثة مباشرة مع مادورو.
هذا التخبط لا يكشف فقط عن سياسة عصا وجزرة، بل يُعيد طرح السؤال الأكثر إلحاحًا: أين يقف حلفاء كاراكاس؟
دعم حذر بلا التزامات
لأعوام، شكلت روسيا والصين وإيران ركائز الاستناد السياسي والاقتصادي لفنزويلا في مواجهتها العقوبات الدولية؛ لكن مع اقتراب الأزمة من حافة المواجهة العسكرية، يظهر محدودية هذا الدعم.
اكتفت روسيا، المنهمكة في صراع شرس مع الناتو في أوروبا، بإدانة الهجمات الأمريكية دون أي إشارة إلى تدخل محتمل؛ فالتزامها العسكري موزّع بين جبهات تتطلب موارد وأولويات باتت أقرب إلى الداخل الروسي.
وهذا يعني أن الدعم سيبقى في إطار دبلوماسي وتنسيق لحماية الاستثمارات الحيوية في النفط والطاقة داخل فنزويلا، لا أكثر.
الصين تتعامل ببرود أكبر؛ ورغم العلاقات التجارية الكبيرة وتزويد كاراكاس بالسلاح، فإن بكين ترفض أن تبدو جزءًا من مواجهة عسكرية مع واشنطن؛ خصوصا في ظل توترات تايوان وبحر الصين الجنوبي. وبالتالي، تبقى سياستها قائمة على "التعاون بين دول ذات سيادة" دون كسر ميزان القوى الدولي.
أما إيران، الحليفة الأيديولوجية والسياسية، فبعد مواجهة عسكرية مُكلفة في الشرق الأوسط، تكتفي بإدانة “الأحادية العدوانية” الأمريكية.
ويُجمع المحللون على أن الظروف الداخلية والضغوط الإقليمية لن تسمح لها بمد يدها عسكريًا أبعد من التصريحات.
بذلك، يتبدى أن الحلفاء الذين لطالما تباهى مادورو بقوتهم، ليسوا في وضع يسمح لهم بخوض حربٍ من أجله.
الجوار الإقليمي بين الحذر والمفارقة
الدول اللاتينية تعيش مفارقة واضحة، فهي ترفض أي تدخل عسكري أمريكي جديد في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تشعر بالقلق من سياسات مادورو.
ففي كولومبيا والمكسيك والبرازيل، جاءت الإدانات للعمليات الأمريكية مصحوبة برفض ضمني لسلوك كاراكاس السياسي والانتخابي.
حذّر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، رغم خلافاته مع مادورو، من أن أي نزاع على الحدود قد يشعل أزمة تهدد الأمن الإقليمي وتدفقات التجارة والهجرة، ومع ذلك، لم ينجح، بصفته رئيسًا لـCELAC، في توحيد موقف مشترك ضد الهجمات.
أما البرازيل والمكسيك، فتعتمدان خطاب "احترام السيادة" دون حماس لتقديم حماية سياسية صلبة لمادورو؛ بسبب فقدانه شرعية انتخابية وتدهور حقوق الإنسان في بلاده.
وبات واضحًا أن الزعيم الفنزويلي يُنظر إليه إقليميًا كجار “مُزعج” يجر المنطقة إلى توترات غير مرغوبة.
عزلة تتسع
يواجه مادورو اليوم مزيجًا خطيرًا من تصعيد أمريكي مستمر وفتور من الحلفاء التقليديين وتوجس من الجوار الإقليمي وتصدع داخلي سياسي واقتصادي.
ويحذر الخبراء من أن تراجع ثقة الجيش، آخر أعمدة قوة النظام، قد يجعل أي تدخل خارجي أكثر احتمالًا، خصوصًا إذا رأت واشنطن أن السلطة في كاراكاس أصبحت بلا مظلة حماية دولية.
في المشهد الحالي، يبدو أن الأزمة الفنزويلية تدخل مرحلة قد تعيد رسم خرائط النفوذ في أمريكا اللاتينية، فيما يقف مادورو وسط العاصفة، بأدوات أقل بكثير مما امتلكه قبل سنوات.