تدخلت الصين لسد ثغرة وقعت في إمدادات الأسلحة إلى بلدان الساحل الأفريقي.
وقطعت السلطات الانتقالية في دول الساحل علاقاتها مع القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، في وقت تكافح روسيا لاستبدال مخزوناتها المستنفدة.
ومن بين المشترين المجلس العسكري في بوركينا فاسو الذي تسلم 116 ناقلة مشاة وست مركبات هجومية من الصين في العام 2024 وحده، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وعلى النقيض من ذلك، وصلت آخر دفعة من فرنسا متمثلة في ست مركبات مدرعة من طراز باستيون في الفترة ما بين 2019-2020، في حين قدمت الولايات المتحدة المحركات فقط في العام 2021.
ويوضح مراقبون إن اهتمام بوركينا فاسو المتزايد بالأسلحة الصينية مدفوعٌ بالحاجة إلى تنويع شركائها الأمنيين، عقب تدهور العلاقات مع فرنسا والولايات المتحدة.
ففي العام 2022 دبّر الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري انقلابًا أدى إلى طرد القوات الفرنسية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، مع انهيار عملية برخان وهي مهمة عسكرية أطلقتها باريس لمكافحة التطرف في منطقة الساحل.
وفي الوقت نفسه، فإن روسيا، التي كانت من أكبر موردي الأسلحة للعديد من دول غرب أفريقيا مثل مالي، قد تباطأت شحناتها بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقد سمح هذا لبكين بتوسيع وجودها العسكري في المنطقة، وفق ما كشفته مجلة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" الصينية.
وأضافت أن أكبر شركة صينية لتصنيع الأسلحة، وهي شركة مجموعة الصناعات الشمالية أو نورينكو، قامت بتنمية وجودها في غرب أفريقيا من خلال مكاتب المبيعات في نيجيريا والسنغال.
وفي يناير من هذا العام، تلقت بوركينا فاسو كمية كبيرة من المركبات المدرعة المصنوعة في الصين من شركة نورينكو.
وقال المتخصص في الشؤون الصينية الأفريقية وأستاذ في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن ديفيد شين في تصريح للمجلة، إن "فرنسا فقدت حصتها في السوق في دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو نتيجة للعلاقات المتوترة".
وقطعت مالي والنيجر علاقاتهما الأمنية الطويلة الأمد مع فرنسا بعد الانقلابات العسكرية، كما قطع المجلس العسكري في النيجر العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، التي كانت تشارك في عمليات مكافحة المسلحين.
وقال شين إن وجود مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية وفيلق أفريقيا في المنطقة لعب دورًا أيضًا، ولكن منذ بداية الحرب في أوكرانيا، "خفضت روسيا عمليات نقل الأسلحة إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، واستغلت الصين هذا الوضع".
وأضاف شين أن "الصين ستزيد حصتها في السوق لأنها تقدم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأسلحة ذات الجودة المعقولة وبأسعار منخفضة ولديها علاقات اقتصادية مهمة مع العديد من الدول الأفريقية".
وحسب التقرير الصيني، تقدم بكين معدات بأسعار معقولة وقابلة للتسليم السريع ومناسبة لاحتياجات مكافحة التمرد في أماكن مثل مالي وبوركينا فاسو، دون المطالبة بإصلاحات أو التزامات بحقوق الإنسان، وفقًا للباحثة البارزة في معهد أبحاث السلام في أوسلو، إيلاريا كاروزا.
وقالت كاروزا إنه مع تزايد التوتر في العلاقات مع الغرب، تسعى دول الساحل إلى "شركاء دفاعيين لا يفرضون عادة شروطًا سياسية".
وأضافت كاروزا أن "وجودهم يتماشى أيضًا مع جهد جيوسياسي أوسع نطاقًا من جانب الصين وروسيا لملء الفراغ الذي خلفه تراجع الوجود العسكري الغربي".
بدروها، قالت ليزلوت أودغارد، من معهد هدسون، إن الصين وسعت بشكل مطرد من وجودها العسكري في أفريقيا من خلال ربط النفوذ الاقتصادي بصادرات الأسلحة لتصبح المورد الرئيس لدول غرب القارة.
وعلى سبيل المثال، في سبتمبر، وقعت في مالي، حيث يوجد مصنع لمعالجة الليثيوم تابع لشركة جانفينج ليثيوم الصينية، اتفاقية مع شركة نورينكو للحصول على المعدات العسكرية والتدريب ونقل التكنولوجيا في مجالات الدفاع الرئيسة لتعزيز حربها ضد التطرف.
وعلى نحو مماثل، تريد الصين تعميق علاقاتها العسكرية مع النيجر، حيث تمتلك الشركات الصينية مصالح نفطية ضخمة بينما تتطلع شركات أخرى إلى اليورانيوم.
وأضافت أن "روسيا إلى جانب الصين هي أكبر مورد للأسلحة إلى غرب أفريقيا"، موضحة أن "بكين قادرة على سد الثغرات في حالة نقص الإمدادات لدى موسكو نتيجة لحربها، مثل توريد الطائرات المقاتلة بدلًا من روسيا".
وقد سلطت الصفقة التي أبرمتها نيجيريا في العام 2019 مع شركة نورينكو لمحاربة جماعة بوكو حرام ــ والمحادثات بشأن إنتاج الأسلحة محليًا ــ الضوء على نفوذ بكين المتزايد.
ولكن في حين قد تتجنب بكين تقويض موسكو للحفاظ على شراكتهما، فإن توسع نورينكو في أفريقيا الناطقة بالفرنسية يشكل تحديًا للنفوذ الفرنسي والروسي على حد سواء، كما قالت.