رأى باحثون سياسيون فرنسيون متخصصون في الشأن الأفريقي أن تدشين خط جوي جديد بين مالي والنيجر عبر مدينة غاو يُمثّل خطوة استراتيجية تعكس التحول العميق في سياسات التعاون الإقليمي لدول الساحل، بعد طرد الدول الثلاث شركة "إير فرانس"، في سياق سعيها لتعزيز استقلالها الاقتصادي والسيادي بعيدا عن النفوذ الفرنسي.
وأوضح جان فيليب ريمي، الباحث في مركز "مونتانيه" الفرنسي، في تصريحاته لـ"إرم نيوز"، أن ما تشهده منطقة الساحل اليوم هو بداية فعلية لفك الارتباط السياسي والاقتصادي مع الدولة الفرنسية، لافتًا إلى أن الطيران المدني لم يكن في يومٍ من الأيام مجرد وسيلة نقل، بل أداة استراتيجية تمارس من خلالها الدول نفوذها الجيوسياسي.
ويضيف ريمي أن الرحلة الجوية الجديدة تعبّر بوضوح عن رغبة تحالف دول الساحل في تجاوز الإرث الاستعماري وبناء بنية تحتية سيادية تسهم في تعزيز الترابط الإقليمي وتقليص الاعتماد على الشركاء التقليديين.
من جانبها، ترى أنييس بونيو، المتخصصة في الشأن الأفريقي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الخط الجوي الجديد يُجسّد خطوة عملية تعكس إرادة تحالف الساحل في بناء بنية نقل سيادية تعبّر عن استقلال القرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، ويمثل في الوقت ذاته تحديًا واضحًا للهياكل التقليدية التي احتكرت هذا المجال لعقود.
وأكدت بونيو أن هذا المشروع يشكّل نقلة نوعية على طريق ترسيخ السيادة الأفريقية، ويُعبّر عن دينامية متصاعدة داخل تحالف الساحل تهدف إلى إعادة صياغة أطر التعاون الأقليمي على أسس أكثر توازنًا واستقلالية.
ومنذ تأسيسه في سبتمبر/أيلول 2023، عمل تحالف دول الساحل (AES)، الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، على تعزيز التكامل السياسي والاقتصادي بين أعضائه، من خلال سلسلة من المبادرات المشتركة في مجالات الدفاع والاقتصاد والدبلوماسية.
وفي مواجهة العقوبات الإقليمية والقيود المفروضة على حرية التنقل عقب الانقلابات العسكرية، تسعى دول التحالف إلى بناء مشاريع بنية تحتية استراتيجية تحافظ على دينامية التواصل والتبادل بين شعوبها، وتكرّس مسارها نحو الاستقلالية الإقليمية والتحرر من القيود الخارجية.
في خطوة وُصفت بالتاريخية، دشّنت شركة "سكاي مالي" يوم الثلاثاء 8 أبريل/نيسان 2025 أول خط جوي مباشر يربط بين العاصمة المالية باماكو والعاصمة النيجرية نيامي، مع محطة توقف في مدينة غاو شمال مالي، ما يُعدّ نقلة نوعية في مجال النقل الجوي الإقليمي.
وجرت مراسم الانطلاق في مطار الرئيس موديبو كيتا الدولي، بحضور الإدارة العليا للشركة وأعضاء مجلس إدارتها، إلى جانب ممثلين عن هيئات الطيران الوطنية في الدول.
وفي مطار نيامي، كان في استقبال الطائرة وفد وزاري يتقدمه الكولونيل-ماجور ساليسو محمد ساليسو، وزير النقل والتجهيز، الذي وصف الخط الجديد بأنه "محطة حاسمة في مسار تعزيز الروابط الثنائية بين مالي والنيجر"، مؤكّدًا رمزيته في دعم التعاون الإقليمي وبناء جسور التواصل بين شعوب المنطقة.
في مدينة غاو، التي استغرقت الرحلة إليها ساعة وخمسًا وثلاثين دقيقة من نيامي، كان في استقبال الطائرة كل من المحافظ وعمدة المدينة، حيث شدّدا على أن هذه المبادرة تلبّي حاجة ملحّة لدى السكان المحليين، الذين لطالما تطلعوا إلى وسيلة تنقّل أكثر راحة وأمانًا بين العاصمتين.
من جانبها، أكدت المديرة العامة لشركة "سكاي مالي"، خلال انطلاق رحلة العودة إلى باماكو، أن المشروع يندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى "تقريب الشعوب وتعزيز حركة تنقل سريعة وآمنة داخل فضاء الساحل".
وقد اختُتمت الرحلة الأولى بمراسم رسمية في مطار نيامي، تخللتها كلمات لمسؤولي "سكاي مالي" وسفارة مالي لدى النيجر، قبل أن يتشارك الضيوف لقاءً وديًا في أجواء احتفالية رمزية.
ووصفت الشركة هذا اليوم بـ"التاريخي"، ليس فقط من منطلق الإنجاز اللوجستي، بل بوصفه بداية مرحلة جديدة من التكامل الإقليمي في غرب إفريقيا، ترتكز على سيادة القرار والاستقلال عن البنى الاستعمارية القديمة، وبناء مستقبل نقل جوي إفريقي يعتمد على الإمكانات الذاتية والرؤية المشتركة.