حدد خبراء في العلاقات الدولية، مجموعة من الأوراق، تعتمد عليها كل من روسيا والصين في التعامل مع تطبيق دول "الترويكا" الأوروبية "آلية الزناد" على إيران، في الصدارة تليين التنفيذ وشراء الوقت وبناء مسارات تقنية واقتصادية بديلة تحافظ على حد أدنى من الحركة وتفتح نافذة لتسوية مرحلية.
وبينوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أوراق بكين وموسكو، لا تقتصر على الاعتراض الدبلوماسي بل تمتد إلى الاقتصاد والطاقة والتحالفات الدولية، وصولاً إلى التلويح بالفيتو في مجلس الأمن؛ ما يجعل هذا التفعيل مسألة شديدة التعقيد، قد تفتح الباب على مواجهة دبلوماسية طويلة الأمد بين الغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.
وأشار الخبراء إلى أن النجاح في تعامل بكين وموسكو، يتوقف على تحويل المطرقة العقابية إلى رافعة تفاوض، وربط أي تخفيف مجدول للعقوبات بخطوات نووية قابلة للتحقق، بحيث يعاد توزيع الكلفة والمكاسب بطريقة تثبت الردع وتراعي واقعية الاقتصاد الإقليمي.
وكانت كل من روسيا والصين حذرتا مؤخرا، من تداعيات إعلان دول أوروبية تفعيل آلية تسمح بإعادة فرض عقوبات على إيران، بسبب مشروعها النووي، حيث أكدت موسكو، على أن إعادة فرض العقوبات على إيران قد تؤدي إلى "عواقب لا يمكن إصلاحها"، وذلك بعدما قامت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتفعيل "آلية الزناد" ضد طهران، بسبب "عدم وفائها بالتزاماتها" بموجب الاتفاق النووي المبرم في العام 2015.
ويرى مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديمتري بريجع، أن تحركات روسيا والصين في هذا الصدد على 3 مسارات متوازية، الأول إجرائي يهدف إلى شراء الوقت عبر تمديدات مؤقتة وصيغ تجميد مقابل تجميد تبطئ الاندفاعة العقابية وتمنح حيزا تفاوضيا لبناء ترتيبات مرحلية قابلة للقياس.
أما المسار الثاني حسبما قال "بريجع" لـ"إرم نيوز"، فهو الدبلوماسي والتقني الذي يوظف أدوات التفتيش والقيود المرحلية على مستويات التخصيب وإدارة المخزونات وأجهزة الطرد، لتحويل الملف من سجال سياسي مفتوح إلى جدول التزامات تسلسلي يعلّق بموجبه أثر الآلية خطوة بخطوة مقابل خطوات ملموسة على الأرض.
واعتبر "بريجع" أن المسار الثالث اقتصادي واقعي يوفر الأكسجين اللازم لتخفيف الصدمة عبر استمرار امتصاص جزء معتبر من صادرات النفط بتسويات غير دولارية، وتوسيع المقايضات والمدفوعات بالعملات الوطنية، وتشبيك الممرات اللوجستية التي تقلل الاحتكاك بالنظام المالي الغربي، إلى جانب إدارة مستوى الإنفاذ عمليا من خلال أساطيل موازية وترتيبات إعادة التأمين والتسجيل
وبين "بريجع" أن تملك موسكو وبكين كذلك ورقة ضغط سياسية وإعلامية تظهِر الآلية كعامل تقويض الاستقرار الإقليمي وإغلاق القنوات الدبلوماسية؛ ما يرفع الكلفة المعنوية للمضي في المسار العقابي، ويخلق رأيا دوليا مترددا يسهل الوصول إلى حلول وسط، وتتيح أطر مثل بريكس ومنظمة شنغهاي مساحات لبناء شبكات تمويل وتسويات وتجارات إنسانية وتنموية يصعب إدراجها مباشرة تحت بنود العقوبات، فتتحول إلى رافعات مكملة لا بدائل كاملة.
وأشار إلى أن الغرب يدفع باتجاه أقصى مستويات الضغط على إيران لإبطاء برنامجها النووي، وتقييد شبكات نفوذها الإقليمية، ودفع مراكز القرار إلى تعديلات تضعف القدرة على تمويل المشروع الخارجي، وتفعيل آلية الزناد يعادِل استخدام مطرقة قانونية وسياسية في مهلة زمنية قصيرة تعيد عقوبات واسعة وتجمد شهية المستثمرين وتشدِد القيود على التمويل والشحن والطاقة؛ ما يرفع كلفة الاستمرار في النهج القائم ويُعيد هندسة بيئة المخاطر حول إيران.
وبدوره، قال الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد بايرام، إن أوراق روسيا والصين في مواجهة تفعيل آلية الزناد لا تقتصر على الاعتراض الدبلوماسي بل امتدت إلى الاقتصاد والطاقة والتحالفات الدولية، وصولا إلى التلويح بالفيتو في مجلس الأمن؛ وهو ما يجعل هذا التفعيل مسألة شديدة التعقيد، قد تفتح الباب لمواجهة دبلوماسية طويلة الأمد بين الغرب من جهة، وموسكو وبكين من جهة أخرى.
وأكد "بايرام" في تصريحات لـ"إرم نيوز"، ظهور ردود فعل قوية للغاية من روسيا والصين مع إعلان تطبيق آلية الزناد تجاه إيران، تحمل أبعادا أعمق من اعتراض سياسي عابر، في وقت تعتبر فيه روسيا إيران شريكا استراتيجيا لمواجهة النفوذ الغربي، وأن العودة إلى العقوبات لا تهدد طهران فقط بل تضرب مصالحها الاقتصادية لاسيما في مجالات الطاقة والسلاح والتبادل التجاري.
وأضاف "بايرام" أن موسكو تخشى استخدام الملف النووي الإيراني لتقويض مشروعها السياسي الأوسع القائم على تقليص الهيمنة الغربية داخل المؤسسات الدولية، لذلك لم تتردد من التحذير من عواقب لا يمكن إصلاحها في إشارة إلى أنها قد تلجأ إلى التصعيد السياسي والدبلوماسي، وربما تعطيل قرارات مجلس الأمن باستخدام الفيتو.
وأوضح "بايرام" أن إيران بالنسبة إلى بكين ليست مجرد شريك نفطي بل عنصر أساسي في مشروع "الحزام والطريق" ومعبر مهم لتأمين إمدادات الطاقة التي تقوم عليها استراتيجيتها الاقتصادية وإعادة فرض العقوبات على طهران يعني للصين عرقلة هذا المشروع وضرب أحد مصادرها الحيوية وإلى جانب ذلك تحاول بكين أن تقدم نفسها كقوة كبرى تدافع عن عدم تسييس الاقتصاد وترفض العقوبات الأحادية التي تفرضها الدول الغربية، ومن هذا المنطلق اعتبرت تفعيل آلية الزناد خطوة تعيد التوتر للمربع الأول وتضعف أي فرص للتفاوض الدبلوماسي.
وأضاف "بايرام" أن موسكو وبكين في المشهد الأوسع تسعيان إلى استغلال ورقة إيران للضغط على الغرب في ساحة أوسع من الملف النووي حيث تراهن روسيا على قدرتها في تعطيل المؤسسات الدولية إذا استخدمت ضد حلفائها بينما توظف الصين الموقف لحماية مصالحها الطاقوية والتجارية ولتعزيز سرديتها حول نظام دولي متعدد الأقطاب.