كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، اليوم الأحد، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قلص حجم مجلس الأمن القومي مكتفيًا بعدد أقل من المستشارين، في إطار إرساء نهج مركزي مُخصص لقرارات الأمن القومي.
وذكرت الصحيفة أن "عدد موظفي مجلس الأمن القومي الآن انخفض إلى أقل من 150 موظفًا، مقارنةً بنحو 400 موظف في الإدارات السابقة".
وأقال ترامب مستشار الأمن القومي مايك والتز بعد 3 أشهر، وكلّف وزير الخارجية ماركو روبيو بتولي هذه المهمة، إلى جانب منصبه كوزير للخارجية، وأدت هذه الخطوات إلى اعتماد ترامب على عدد قليل من كبار مستشاريه.
وتقول الصحيفة إنه "عندما أمر الرئيس ترامب بشن غارات جوية على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو/ حزيران، لم يكن لدى الدبلوماسيين الأمريكيين، الذين كان من المفترض أن يُبلّغوا بالقرار، أي معلومات".
وتضيف أنه "بعد الهجوم، ضغط مسؤولون من دول الشرق الأوسط على المسؤولين في واشنطن وفي السفارات الأمريكية في المنطقة للحصول على معلومات حول ما إذا كان الهجوم مؤشرًا على أن ترامب يُطلق حملة أوسع لتغيير النظام"، وفقًا لمسؤولين شاركوا في المحادثات.
وأشارت الصحيفة أنه "لم يكن لدى أحد تقريبًا إجابة، سوى إحالتهم إلى إعلان ترامب العلني عن التفجيرات، فهم لم يتلقوا أيَّ معلوماتٍ تُرشدهم إلى ما يجب قوله للحكومات الأخرى".
وبحسب الصحيفة، "كان ذلك مؤشرًا على مدى ما وصل إليه ترامب في إرساء نهج مركزي مُخصص لقرارات الأمن القومي. فقد قلّص دور موظفي مجلس الأمن القومي، الذين اعتمد عليهم رؤساء آخرون للإشراف على صياغة الخيارات السياسية، وضمان تنفيذ القرارات الرئاسية، والتنسيق مع الحكومات الأجنبية".
وقالت كارولين ليفيت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض: "إنه نهجٌ تنازلي. ربما أرادت الإدارات السابقة إخبار الجميع بكل شيء لإرضائهم، لكننا لا نهتم حقًّا إنْ جُرحت مشاعركم. كل ما نحتاجه هو إنجاز العمل".
ويحذر مسؤولون ومنتقدون آخرون من أن هذا النهج أضر بإدارة ترامب ولم يساعدها، حسب وجهة نظرهم.
وقال ديفيد روثكوبف، مؤلف كتاب "تاريخ مجلس الأمن القومي في ظل إدارات متعددة"، والمعارض الشرس لترامب: "من نواحٍ عديدة، لم تعد عملية الأمن القومي قائمة".
وأضاف أن "ترامب يُمثل فعليًّا منظومة الأمن القومي - وزارة الخارجية وهيئة الأركان المشتركة ومجلس الأمن القومي، جميعها في كيان واحد".
وقال المنتقدون: إن النظام الحالي يحرم ترامب من آراء الخبراء الحكوميين الذين قد يُسهمون في صياغة سياساته.
وأضافوا أن المسؤولين المكلفين بتنفيذ أوامر ترامب غالبًا ما يجهلون بالتفصيل ما هو مطلوب منهم؛ ما يؤدي إلى تأخيرات أو أخطاء أو حتى تقاعس.
وشجعت عملية ترامب، بحسب الصحيفة، كبار المسؤولين على العمل لحسابهم الخاص، من أجل جذب انتباه البيت الأبيض وتعزيز أولوياتهم الخاصة.
وفي مايو/ أيار، أعلن تروي فيتريل، المسؤول الأعلى للشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك، خلال خطاب ألقاه في ساحل العاج، أنه سيكون هناك على هامش افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول تجمع رفيع المستوى مع البلدان الأفريقية للتركيز على التجارة والاستثمار.
وكشف فيتريل عن فكرة القمة قبل تأكيدها في جدول أعمال ترامب، وفقًا لمسؤولين في الإدارة. وقد خطط لزيارة بريطانيا قبل اجتماع الأمم المتحدة؛ ما قلّص الوقت المتاح للقاء القادة الأفارقة.
ولم تُبلَّغ أي تعليمات لمسؤولي ودبلوماسيي البيت الأبيض بإقامة هذا الاجتماع، في حين أشار مساعدو الإدارة إلى أن ترامب قد التقى بالفعل بقادة أفارقة في البيت الأبيض، ويتوقع المزيد من اللقاءات مع نظرائه من القارة.
وخلال فترة ولايته القصيرة، شكّل والتز مجلس الأمن القومي بمساعدين ومسؤولين كونغرسيين مخضرمين ممن خدموا في ولاية ترامب الأولى. وسرعان ما أُقيل بعضهم بعد اتهامهم بالخيانة من قِبل شخصيات مؤثرة من اليمين المتطرف في حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، مثل لورا لومر، كما استقال آخرون بعد إقالة والتز.
وفي مارس/ آذار، أقنع والتز والجنرال مايكل "إريك" كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأمريكية آنذاك، ترامب بإصدار أوامر بشن غارات جوية تستمر لأسابيع ضد المسلحين الحوثيين في اليمن، رغم أن معظم أعضاء فريقه للأمن القومي كانوا ضد العملية.
وزعموا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إدارة مخزونها المتناقص من الذخائر تحسبًا لحرب محتملة مع الصين، وأضافوا أن الميليشيا التي صنفتها الولايات المتحدة من غير المرجح أن تستسلم تحت وطأة القصف الأمريكي.
وبعد شهرين من بدء الحملة، تراجع ترامب فجأةً عن موقفه، معلنًا أن الحوثيين وافقوا على التوقف عن مهاجمة السفن الأمريكية. لكن هجمات الحوثيين على إسرائيل وسفن الدول الأخرى استمرت.
وبعد تولي روبيو منصب مستشار الأمن القومي في مايو/ أيار، دعا إلى تخفيضات كبيرة في عدد موظفي مجلس الأمن القومي لإعادة دوره الأصلي كمنسق بين الوكالات بدلاً من هيئة استشارية، فيما قال مسؤولون إن هذا النهج هو الأنسب لنهج ترامب التنازلي.
وقال مسؤولون حاليون وسابقون في إدارة ترامب: إن هذا النهج يقلل خطر التسريبات التي عانت منها ولايته الأولى ويسمح للرئيس والمقربين منه بتنفيذ القرارات بسرعة، بدلًا من مناقشتها مطولًا.
وقال جوردون سوندلاند، الذي شغل منصب سفير ترامب لدى الاتحاد الأوروبي في ولايته الأولى: "هناك الكثير من المتذمرين في مجلس الأمن القومي الذين يَشْكون من عدم سماع أصواتهم، بينما في الواقع، ربما لا يكون من الضروري سماع أصواتهم".
ويتولى نائبا مستشاري الأمن القومي، آندي بيكر وروبرت غابرييل، بالإضافة إلى مايك نيدهام، مستشار وزارة الخارجية، إدارة العمليات اليومية لمجلس الأمن القومي. ويضيفون تفاصيل إلى أوامر ترامب العامة، ويشاركونها مع كبار المسؤولين قبل اجتماعاتهم معه.