ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء

logo
العالم

"استنهاض الأمة" استعدادًا للحرب.. هل تحتاج بريطانيا لـ"تشرشل" جديد؟

قوة عسكرية من الجيش البريطانيالمصدر: (أ ف ب)

تعكس التصريحات "التحذيرية والتعبوية" لقائد القوات المسلحة البريطانية، ريتشارد نايتن، تغييراً جوهرياً في العقيدة العسكرية لبلاده التي تستعد للانتقال من منطق الدفاع والردع التقليدي، إلى حالة التهيئة النفسية والمجتمعية لحرب قد تكون وشيكة.

وشدّد المسؤول العسكري البريطاني على وجوب الاستعداد على نطاق أوسع للدفاع عن البلاد في مواجهة المخاطر المتزايدة"، موضحاً أن "الوضع أشدّ خطورة مما شهدته يوماً في مسيرتي المهنية"، مضيفًا "العصر الجديد للدفاع لا يعني ارتقاء جيشنا وحكومتنا فقط إلى مستوى التحدي.. بل يعني نهوض أمتنا بأسرها".

أخبار ذات علاقة

ريتشارد نايتون

تحذير غير مسبوق.. قائد الجيش البريطاني يدعو لمواجهة الخطر الروسي

تحوّل في العقيدة الأمنية

ويرى خبراء أن توقيت هذه التصريحات النادرة لا يترك مجالاً لقراءة عابرة، بل تعد بمثابة إعلان صريح عن تحوّل عميق في العقيدة الأمنية البريطانية، وإعادة تعريف شاملة لمفهوم الحرب، ومعنى الأمن، ودور الدولة والمجتمع في زمن تتآكل فيه الخطوط الفاصلة بين السلم والصراع.

ومن المعروف أن بريطانيا، كما هي حال معظم دول أوروبا الغربية، دأبت منذ نهاية الحرب الباردة على تكريس نموذج دفاعي يقوم على جيوش محترفة محدودة العدد، عالية التقنية، تتمرن في عزلة "الثكنات" بعيدة عن المجتمع.

وكان هذا النموذج العسكري الدفاعي ينهض على افتراض أن الحرب الشاملة أصبحت من الماضي، ما يعني أن استتباب الأمن ممكن عبر مبدأ "الردع" والتحالفات السياسية، والتفوق التكنولوجي الذي يتيح تحقيق الأهداف عن بعد وبضغطة زر، غير أن التحذيرات الأخيرة، كما يؤكد خبراء، تعني، دون شك، أن هذا "النموذج المتساهل" لم يعد ملائماً لدرء المخاطر المتعددة.

ويلفت الخبراء إلى أن تعبير "استنهاض الأمة بأسرها"، الذي ورد في خطاب المسؤول العسكري، يعكس تقصير النموذج العسكري المتبع منذ عقود، فهو لا يطالب بزيادة عدد الجنود والعتاد فقط، بل يطالب بدمج المجتمع في معادلة العسكرة والأمن.

ويوضح الخبراء أن المعنى الأبعد للخطاب يتمثل في أن الدفاع لم يعد مهمة المؤسسة العسكرية، فحسب، بل عملية وطنية شاملة تشمل الاقتصاد، والتعليم، والإعلام.. وغيرها من القطاعات التي ينبغي أن تستنفر لتهيئة المجتمع على تحمل الصدمات من انقطاعات الطاقة إلى الضغوط الاقتصادية والتضليل الإعلامي في ظل ما يسميه الخبراء بـ"غياب اليقين".

مخاطر وشيكة

ويستدرك الخبراء بأن الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، فهذا الخطاب البريطاني "المختلف" لا يعني أن ثمة حشوداً عسكرية تقترب من شواطئها، وأن مقاتلات "أجنبية" تتأهب للقصف، بل ينبه إلى نمط جديد من التهديدات المركبة تختلف عن الصورة الكلاسيكية للحرب حيث تتداخل الأدوات العسكرية مع الحرب النفسية والدعائية، ناهيك عن تهديدات سيبرانية غير مرئية.

ويلاحظ الخبراء أن روسيا، وفقاً لهذا التصور، لا تُختزل في كونها خصماً تقليدياً يستعد جنودها لعبور المانش، كما كان الحال بالنسبة لألمانيا النازية، مثلاً، إبان الحرب العالمية الثانية، بل هي قوة تتقن العمل في "المنطقة الرمادية"، أي تلك المساحة الرخوة الواقعة بين الحرب والسلم.

ويكاد لا يمر يوم دون أن نسمع خبراً عن هجمات سيبرانية على البنى التحتية الحيوية في هذه الدولة الأوروبية أو تلك، واختبار أنظمة الطيران المدني عبر مسيّرات غامضة أو مناطيد مجهولة، أو تعطيل شبكات الطاقة والاتصالات، فضلاً عن بث المخاوف والشكوك عبر حملات إعلامية ممنهجة.

حرب غير معلنة

ووفقاً لذلك، يوضح الخبراء أن بريطانيا، وغيرها من الدول الأوروبية، تعيش "حرباً غير معلنة"، فهي ليست حرباً بالمعنى العسكري التقليدي، بل تدور رحاها على الشاشات وفي الغرف المظلمة وتديرها "الخوارزميات الغامضة"، وهو ما ينعكس على حياة المواطن البريطاني، والأوروبي عموماً، ويربك صانع القرار الذي يعجز عن الرد على "عدو غير مرئي".

ويجب كذلك عدم التغافل عن الحرب الأوكرانية وتداعياتها التي تنذر بخطر التوسع لتصبح حرباً قارية، فالنزاع المتواصل منذ نحو أربع سنوات، لم يعد محصوراً بين كييف وموسكو بل تحول إلى اختبار شامل لقدرة أوروبا على الردع وصون أمنها بعيداً عن المظلة الأمريكية، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت الحرب الأوكرانية مجرد "بروفا" لصراع قاري أوسع؟

ولا يستبعد الخبراء أن تقود الحرب الأوكرانية إلى هذا الاحتمال من الناحية الاستراتيجية، لكنهم يشددون على أن اعتبارها بروفا لا يعني أن الحرب الشاملة حتمية، بل على العكس فقد قد يكون التحذير المبكر من الخطر، كما تفعل لندن الآن، عاملاً حاسماً في منع التصعيد.

استدعاء تشرشل

يغري الخطاب البريطاني التحذيري بعقد مقارنات مع حقبة ونستون تشرشل، الذي قاد بلاده في أحلك الفترات، فخلال الحرب العالمية الثانية، حين كانت بريطانيا تواجه ألمانيا النازية، لم يقدّم تشرشل لشعبه وعوداً بالنصر السريع أو يطمئنهم بأن الخسائر محدودة، بل على العكس، قدّم خطاباً قاسياً وصريحاً، تعهّد فيه بـ"الدم والكدح والدموع والعرق"، لكنه في الوقت نفسه، منح مواطنيه شيئاً أثمن: الصدق والوضوح، بحسب خبراء.

وبالضبط، مثلما أعاد تشرشل تعريف الحرب باعتبارها شأناً مجتمعياً، يشمل إلى جانب "العسكر"، المصانع، والمرافئ، والإعلام والمدارس، والجامعات...فإن هذا الدرس التاريخي يبدو حاضراً بقوة في الخطاب البريطاني المعاصر، في استحضار لا تخفى دلالاته لحقبة تشرشل الذي قال "سنقاتل على الشواطئ، سنقاتل على أرض الهبوط، سنقاتل في الحقول وفي الشوارع، سنقاتل على التلال؛ ولن نستسلم أبداً".

أخبار ذات علاقة

صورة الرئيس بوتين ورئيسة "إم آي 6".

"جبهة في كل مكان".. الاستخبارات البريطانية تحذر من حرب روسية شاملة

فاتورة التعبئة

ويحذر خبراء من أن الانتقال إلى التعبئة الوطنية الشاملة، كما جاء في خطاب المسؤول العسكري، لا يأتي دون فواتير باهظة، فعلى المستوى السياسي يعني ذلك زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي، ما يفرض على الحكومة خيارات صعبة بين الأمن والرفاه الاجتماعي.

كما تقود هذه "التعبئة" إلى توسيع صلاحيات الدولة في مجالات الأمن والمراقبة والملاحقة، وهو ما قد يثير مخاوف مشروعة بشأن الحريات الفردية التي يتباهى بها الغرب، عموماً.

أما على المستوى الاجتماعي، فالمسألة أكثر تعقيداً، بحسب خبراء، ذلك أن الأجيال الشابة لن تستوعب بسهولة الفكرة المستلهمة من أدبيات "الرومانسية الثورية" بخصوص "الاستعداد للموت من أجل الوطن"، فهي تصطدم بثقافة فردانية ترى الأمن حقاً مضموناً وبديهياً، وليست هناك أثمان تدفع لأجله، وهو ما يتطلب جهوداً لتسويق سردية وطنية مقنعة، تربط بين الدفاع عن الدولة والدفاع عن نمط حياة وقيم مشتركة.

ويخلص الخبراء إلى القول إن بريطانيا، تعيش لحظة بالغة الحساسية، لم يعد ممكناً معها الاتكاء على افتراض أن الجغرافيا تحميها، بوصفها جزيرة، أو أن التحالفات السياسية وحدها كافية، أو أن الحماية مضمونة عبر الارتباط الوثيق مع واشنطن، فالتحذير الصادر عن قيادتها العسكرية هو إعلان نهاية مرحلة "الترف الأمني"، وبداية لاستعدادات قاسية لن تكون بلا تكاليف على مختلف الصعد.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC