الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
في خطوة غير مسبوقة تعكس عمق التحول في المشهد الأمني الأوروبي، أدرجت الاستخبارات العسكرية الدنماركية الولايات المتحدة للمرة الأولى في تقريرها السنوي كعامل تهديد محتمل ضد البلاد ولأوروبا بشكل عام.
التقرير الصادر في 9 كانون أول/ ديسمبر 2025 عن جهاز الاستخبارات الدنماركي يرسم صورة قاتمة لمستقبل الأمن الأوروبي، حيث لم يعد الحليف التقليدي عبر الأطلسي يُنظر إليه كضامن موثوق، بل كمصدر للشكوك والمخاوف، في ظل سياسة "أمريكا أولاً" وتصاعد اهتمام دونالد ترامب بضم غرينلاند، الإقليم الدنماركي في القطب الشمالي.
للمرة الأولى في تاريخه، لا يعتبر جهاز الاستخبارات العسكرية الدنماركية الولايات المتحدة حليفاً فحسب، بل أيضاً عامل خطر على الأمن الأوروبي. ويؤكد التقرير أن "الشكوك تتزايد حول دور الولايات المتحدة كضامن للأمن الأوروبي"، في تحول جذري يعكس عمق الأزمة في العلاقات عبر الأطلسي.
يشير معدو التقرير الذي أوردته مجلة "لوبوان" إلى أن إحدى المشكلات الرئيسية تكمن في أن "القوى العالمية الكبرى تعطي الأولوية بشكل متزايد لمصالحها الخاصة وتلجأ إلى القوة لتحقيق أهدافها".
هذا التحول في الموقف الأمريكي، المتمثل في إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية عبر سياسة "أمريكا أولاً" والاستخدام الواضح لأدوات الضغط الاقتصادية والاستراتيجية حتى ضد الدول الصديقة، يشكل مصدر قلق متزايد للدنمارك وأوروبا.
في منطقة القطب الشمالي، يأخذ هذا التحول بُعداً ملموساً وخطيراً. يحدد التقرير الاهتمام المتزايد لواشنطن بغرينلاند كمصدر للتوترات، مما يزيد من مخاطر التجسس والتجسس الإلكتروني ومحاولات التأثير على المملكة الدنماركية بأكملها.
هذا الاهتمام الأمريكي المكثف بالإقليم الاستراتيجي في القطب الشمالي ليس جديداً تماماً، لكن تصريحات ترامب المتكررة حول رغبته في السيطرة على غرينلاند أضافت بُعداً جديداً من الضغط والتهديد.
دون التشكيك في التحالف عبر الأطلسي بشكل صريح، تعبر الاستخبارات الدنماركية عن شكوكها حول دور الولايات المتحدة كضامن نهائي للأمن الأوروبي في حالة نشوب صراع كبير. هذه الحالة من عدم اليقين، وفقاً للتقرير، قد تشجع روسيا على مضاعفة استفزازاتها وأعمالها الهجينة ضد الناتو وأعضائه، مستغلة الفجوة المتزايدة في الثقة بين أوروبا والولايات المتحدة.
بالتوازي، يرسم التقرير صورة لقوتين منخرطتين في منطق مواجهة دائم مع الغرب. تُوصف الصين بأنها فاعل عسكري في توسع كامل، قادر على إنتاج كميات أسلحة تفوق تلك التي تنتجها الولايات المتحدة، رغم ميزانية أقل رسمياً.
تسلط الاستخبارات الدنماركية الضوء على سرعة التحديث البحري والجوي الصيني، وكذلك خطر نشوب صراع حول تايوان، الذي قد تكون له عواقب عالمية محتملة.
ومع ذلك، بالنسبة للدنمارك، يظل التهديد الرئيسي الذي تشكله بكين على الغرب هو التجسس. تحذر الأجهزة الدنماركية من سرقة التقنيات الحساسة في أوروبا، ولا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والتكنولوجيا الحيوية.
أما روسيا، فتظهر كالتهديد الأكثر مباشرة وإلحاحاً. عسكرة المجتمع، والدعاية المعادية للغرب، وإعادة التسلح الضخمة، وتكثيف الأعمال الهجينة - كل هذا يرسم ملامح مواجهة يُتوقع أن تستمر حتى بعد انتهاء الصراع الجاري في أوكرانيا.
روسيا، في نظر الاستخبارات الدنماركية، تمثل خطراً وجودياً مباشراً على الأمن الأوروبي، يتجاوز حدود الحرب الأوكرانية، ليشمل تهديدات سيبرانية ومعلوماتية وهجينة متعددة الأشكال.
يركز أحد محاور التقرير بشكل خاص على الإرهاب، الذي يظل عند مستوى مرتفع في أوروبا ولا يظهر أي علامات على التراجع، وفقاً للتقرير. تشير الاستخبارات العسكرية الدنماركية إلى أن عدد الهجمات التي نُفذت أو أُحبطت قد ازداد في السنوات الأخيرة، مع تركيز في فرنسا وألمانيا والنمسا.
تظل أساليب العمل بسيطة، مع تفضيل الهجمات بالسكاكين أو السيارات، وغالباً ما يقوم بها أفراد يعملون بمفردهم أو ضمن شبكات صغيرة. يلعب السياق الجيوسياسي دوراً محورياً، حيث تغذي دعوات القاعدة وتنظيم داعش للانتقام من الوضع في غزة الدعاية الجهادية.
يحذر التقرير أيضاً من الخطر المتعلق بسجون شمال شرقي سوريا، حيث يُحتجز آلاف من أعضاء داعش. فأي هروب جماعي من شأنه أن يعزز التهديد على أوروبا بشكل مباشر، وفقاً للاستخبارات الدنماركية، التي تربط هذه الديناميكية بالهجرة غير النظامية، في استمرار للخط الأمني للمملكة الدنماركية.
ما يميز هذا التقرير هو شموليته في تحديد التهديدات من جميع الاتجاهات. فبينما كانت التقارير السابقة تركز بشكل أساسي على روسيا والصين والإرهاب، يضيف تقرير 2025 بُعداً جديداً بإدراج الولايات المتحدة كمصدر محتمل لعدم الاستقرار.
هذه الخطوة الدنماركية ليست معزولة، بل تعكس قلقاً أوروبياً متنامياً من عدم موثوقية الشريك الأمريكي في عهد ترامب. التقرير يشير بوضوح إلى أن أوروبا باتت في موقف لا تُحسد عليه: محاصرة بين طموحات روسيا التوسعية، والتقدم الصيني المتسارع، والتهديدات الإرهابية المستمرة، وأخيراً وليس آخراً، حليف تقليدي لم يعد يمكن الاعتماد عليه كضامن أمني موثوق.