بين واقع سياسي مأزوم وانقسامات اجتماعية متجذّرة، يحاول وزير الأقاليم الفرنسية ما وراء البحار، مانويل فالس، دفع عجلة الحوار في كاليدونيا الجديدة، حيث تتعثر المفاوضات بشأن مستقبل الأرخبيل بين مؤيدي الاستقلال والمدافعين عن البقاء ضمن السيادة الفرنسية.
وفي محاولة لتهدئة الأجواء المشحونة، قام فالس بزيارة رمزية إلى مهرجان "الغزال والروبيان" في بلدية بولوباريس، غرب العاصمة نوميا، في مشهد يعكس التداخل بين السياسة والمجتمع المحلي، وفقا لما أورده تقرير صحيفة "لوموند" الفرنسية.
انقسامات حادة
وأوضح التقرير أن الزيارة التي جاءت في فترة استراحة قصيرة من المفاوضات، حملت في طياتها رسائل متعددة، فقد استقبل فالس بطقوس كاناكية تقليدية، تضمنت تقديم الينام – الدرنة المقدسة – وعملة رمزية تدل على الاحترام.
بينما عبّر مربّو الماشية من أبناء الجالية الأوروبية عن تقديرهم للوزير عبر أدوات وسم صنعت على نحو خاص تحمل أحرف اسمه الأولى.
وأكد التقرير، أنه رغم الطابع الاحتفالي للمهرجان، الذي مزج بين الموسيقى البولينية والموروث الأوروبي المحلي، لم تغب أجواء التوتر عن الزيارة، مشيرا إلى أن المخاوف من المستقبل السياسي لا تزال تلقي بظلالها على المجتمع المحلي، الذي يعيش منذ عقود على وقع انقسامات حادة بين مكونات سكانية تختلف في رؤيتها لهوية كاليدونيا الجديدة.
تعايش سطحي
وقال أحد المزارعين المحليين: "نحن هنا منذ 5 أجيال، لكننا نشعر دائما أننا على حافة فقدان هذه الأرض". فيما علّق آخر قائلا: "العيش المشترك أصبح مجرد تعايش سطحي، لا أكثر".
وتنعكس هذه الانقسامات على مسار المفاوضات، حيث كادت المحادثات الأخيرة تنهار بعد أن هدد ممثلو التيار "الوفي للجمهورية" – المعارض لأي حل وسط مع الاستقلاليين – بالانسحاب، واصفين مشروع الاتفاق المطروح بأنه "أقرب إلى وثيقة انفصال مقنّعة".
وأردف تقرير الصحيفة الفرنسية أنه لتجاوز هذا الجمود، تقرر نقل المفاوضات إلى منتجع "شيراتون ديفا" السياحي، الواقع في منطقة نائية غرب الأرخبيل، بهدف إبعادها عن التوترات السياسية والإعلامية في العاصمة.
فرص صعبة
ويأمل فالس، الذي أعلن استعداده للبقاء حتى 8 مايو/ أيار، أن يساعد هذا التحرك في تهيئة مناخ تفاوضي أكثر هدوءا، إلا أنه في الواقع تبدو فرص التوافق صعبة في ظل تصلب المواقف.
من جانبها، تقول سوزان مازورييه، جزّارة من بلدة بوراي: "نحن فرنسيون ونريد أن نبقى كذلك، لا نريد أن نعيد تجربة العنف التي عشناها في الثمانينيات"، في إشارة إلى الاضطرابات التي شهدتها الجزيرة في عام 1984، التي عادت إلى الأذهان مع أحداث العنف الأخيرة في مايو/ أيار 2024.
وبين الإرث التاريخي والضغوط الراهنة، تقف كاليدونيا الجديدة أمام مفترق طرق حاسم، فيما يحاول فالس لعب دور الوسيط في لحظة لا تحتمل الفشل.