لا تزال تداعيات الأزمة في كاليدونيا الجديدة تلقي بظلالها الثقيلة على السكان، ليس فقط على الصعيد الأمني والاقتصادي، بل أيضاً على مستوى الصحة النفسية الجماعية.
يأتي ذلك، رغم مرور نحو عام على أعمال العنف الدامية التي اجتاحت كاليدونيا الجديدة في 13 مايو/أيار 2024.
وخلف هدوء الشوارع الظاهري، تتفاقم أزمة خفية، إذ يعيش العديد من المواطنين لا سيما الأطفال والشبان، تحت وطأة صدمات عميقة ومخاوف متجذرة تهدد بنسف تماسك المجتمع.
وعبر وزير الأقاليم الفرنسية ما وراء البحار مانويل فالس، عن قلقه الشديد من الوضع الاجتماعي في الأرخبيل خلال زيارته الأخيرة إلى نوميا مطلع أبريل/نيسان، مؤكداً أن الأزمة تتجاوز آثار العنف الآني إلى أزمات اجتماعية وهيكلية أشد خطورة.
ووفقا لتقرير صحيفة" لوموند" الفرنسية، كشف استطلاع ميداني حديث أجراه معهد "كفيدنوفي" أواخر عام 2024 أن نحو 25% من العاملين في القطاع الصحي يعانون أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، معبرين عن معاناة تنعكس في فلاشات استرجاعية وأزمات نفسية حادة.
وتساءل باتريس غوتييه، رئيس اتحاد المهنيين الصحيين في الأرخبيل "إذا كان الأطباء أنفسهم يعانون، فماذا عن باقي السكان؟".
وأوضح الطبيب النفسي بنجامين غودفيلو أن "الاضطرابات النفسية لم تظهر عبر تدفق مباشر للمرضى، بل عبر موجات من الأزمات الصامتة".
وأشار إلى أن الأضرار المتراكمة تعود إلى الإحساس بالظلم الاجتماعي وذكريات الاستعمار أكثر من مجرد الصدمة الآنية.
وأكد تقرير "لوموند" أنه في الأحياء المتضررة، مثل ماغينتا، تبدو المعاناة أكثر وضوحاً.
ويقول إيدان، طفل في العاشرة من عمره: "نخشى الكلام، ونتحدث بالضرب والصمت"، بينما يشير جده إلى أن حفيده المصاب بإعاقة فقد فرحه وبات يعاني من نوبات صراخ مفاجئة إثر مشاهد العنف.
وفي المدارس، تتجلى الأزمة النفسية في صدامات كلامية بين التلاميذ تحمل رواسب الانقسام السياسي.
من جانبه، يروي الاختصاصي النفسي كريم بييرون "أحدهم تفاخر بأن والده كان في الحواجز، وآخر خشي على والده الجندي"، مشيراً إلى صعوبة إدارة هذا الشحن العاطفي بين الأطفال.
وشدد التقرير على أنه "رغم إنشاء خلايا دعم نفسي في المدارس، تعاني كاليدونيا الجديدة من نقص حاد في الأطباء النفسيين، إذ يشغل 6 أطباء فقط 14 شاغرا مخصصًا لهذا الغرض، بينما في الطب النفسي للأطفال لا يتوفر غير طبيب واحد، لا سيما بعد تدمير المركز الرئيس خلال أعمال الشغب.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي فاقمت الأزمة، إذ أسهمت في نشر صور العنف والأخبار الكاذبة والخطابات العنصرية، ما أدى إلى تأجيج المخاوف وانعدام الثقة.
وقالت شاهدة إن "متابعة الأحداث على فيسبوك يوميًا دمّرتني نفسيًا".
بدورها، تحذر سوزان ديفلين، المنسقة السابقة لبرنامج الصحة النفسية في الأرخبيل، من كارثة قادمة قائلة: "مع انتشار العنف والإدمان وارتفاع معدلات الانتحار بين الشبان، ومع شح الموارد الطبية، نخشى أن ندخل دوامة يصعب الخروج منها".
وخلص التقرير إلى القول أنه في ظل مجتمع يراه بعض السكان "هادئًا ظاهريًا فقط"، تبدو إعادة بناء الصحة النفسية لكاليدونيا الجديدة ضرورة ملحة، تتطلب تحركاً سريعاً وجاداً قبل فوات الأوان.