بدأ حلفاء الولايات المتحدة في الناتو وشرق آسيا بإعادة تسليح أنفسهم، مدفوعين بزيادة الإنفاق الدفاعي وتكثيف إنتاج الأسلحة، ففي قمة الناتو السنوية في يونيو/ حزيران الماضي، التزم الأعضاء بتخصيص 5% على الأقل من ناتجهم المحلي الإجمالي للدفاع.
لكن، وبينما تسعى دول شرق آسيا، مثل اليابان، لبناء ترسانات عسكرية لمواجهة نفوذ الصين المتنامي، يتساءل تقرير لمجلة "فورين بوليسي"، عمّن سيتولى استخدام هذه الأسلحة الجديدة، إذ تواجه الجيوش تحديات كبيرة في تجنيد القوى البشرية اللازمة، مما يهدد فعالية هذه الاستثمارات الضخمة.
وتشير دروس الحرب الروسية الأوكرانية إلى أهمية الأعداد البشرية في الصراعات الكبرى، فبينما يواجه أكثر من نصف مليون جندي بعضهم عبر جبهة تمتد لألف ميل، أعادت الحرب تأكيد مبدأ قديم، وهو أن الأعداد هي الأهم.
ورغم الانتشار الواسع للطائرات المسيرة، التي تسبب حوالي 70% من الخسائر في أوكرانيا، فإنها لم تغير الطبيعة الاستنزافية للحروب الكبرى، فرغم تطوّر المسيّرات، إلا أنها تُعتبر وسيلة دعم ناري أقل فعالية من المدفعية التقليدية، وتشير أعدادها الكبيرة إلى استنفاد الذخائر التقليدية، بقدر ما تعكس تقدم التكنولوجيا.
كما أن تشغيلها يتطلب جهداً بشرياً مكثفاً، مما يزيد الطلب على الجنود بدلاً من تقليله، كما يوضح جاك واتلينغ من المعهد الملكي للخدمات المتحدة.
وفي أوروبا، تعاني جيوش الناتو من نقص حاد في القوى العاملة، فالجيش البريطاني، يقدّر بـ70 ألف جندي فقط، وهو الأصغر منذ القرن الثامن عشر، بينما يبلغ حجم الجيش الألماني ثلث حجمه في الحرب الباردة، 180 ألف جندي.
كذلك تعتمد معظم دول الناتو الأوروبية على قوات صغيرة ومحترفة، غير قادرة على تعبئة وحدات كبيرة بسرعة، فبينما يوجد في أوكرانيا حوالي 300 لواء، بالكاد تستطيع دولة أوروبية غربية نشر لواء ثقيل جاهز للقتال خلال أسبوع.
ويرى تقرير "فورين بوليسي" أن هذا النقص يعكس تحدّيات تعبئة القوى البشرية في عصر ما بعد الحرب الباردة، حيث ألغت معظم دول الناتو التجنيد الإلزامي، ففي شرق آسيا، تواجه اليابان، الحليف الرئيس للولايات المتحدة، أزمة مماثلة.
ورغم امتلاك قوات الدفاع الذاتي اليابانية معدات حديثة، فإنها تعاني من نقص في التجنيد، حيث حققت 30% فقط من هدفها لعام 2023، فيما متوسط أعمار الجنود يقترب من الأربعين، مما يؤثر على الجاهزية القتالية ويحد من تطوير القيادات الجديدة.
أما في كوريا الجنوبية، فرغم نظام التجنيد الإلزامي القوي الذي يتيح استدعاء 3 ملايين جندي احتياطي، تعاني البلاد من أزمة ديموغرافية حادة، حيث انخفض عدد أفراد جيشها بنسبة 20% في ست سنوات بسبب انخفاض معدل الخصوبة إلى 0.75.
تقدّم بولندا نموذجاً مغايراً، فهي كعضو في الناتو منذ 1999، استجابت بسرعة لتداعيات الحرب في أوكرانيا عام 2022 بقانون الدفاع الوطني الشامل، الذي رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن بدلاً من التجنيد الإلزامي، اعتمدت بولندا نظام "التجنيد التطوعي"، حيث يخدم المتطوعون لمدة 11 شهراً بمعدات متطورة، مع تشجيعهم على الانضمام للقوات المهنية لاحقاً، كما طوّرت قوة دفاع إقليمية تضم 40 ألف جندي بدوام جزئي.
ووفق المجلة الأمريكية، فإن هذا النموذج يعالج النقص في القوى العاملة دون إثارة جدل سياسي حول التجنيد الإلزامي.
وفي أوروبا، بدأت دول مثل ألمانيا والسويد وفنلندا بإعادة النظر في التجنيد الإلزامي، فهلسنكي، بتجنيدها الشامل للذكور، قادرة على استدعاء مليون جندي من سكان يقلون عن 6 ملايين، مع قوات عالية الجاهزية، فيما اعتمدت السويد منذ 2018 تجنيداً إلزامياً انتقائياً محايداً بين الجنسين، مما خلق جيشاً نخبوياً صغيراً.