logo
العالم

في مواجهة التهديد الروسي.. ألمانيا تخطو بحذر نحو "التجنيد الإلزامي"

في مواجهة التهديد الروسي.. ألمانيا تخطو بحذر نحو "التجنيد الإلزامي"
عناصر في الجيش الألمانيالمصدر: (أ ف ب)
28 أغسطس 2025، 6:03 م

رأى خبراء أن ألمانيا، التي ألغت التجنيد الإجباري عام 2011، بدأت اليوم خطوات محسوبة نحو إعادة العمل بالخدمة العسكرية جزئيًّا، في ظل تصاعد التهديد الروسي والحاجة الملحّة لتعزيز قدراتها الدفاعية. 

وقد اعتمدت الحكومة الحالية، بقيادة فريدريش ميرتس، خطة لإعادة التجنيد "الطوعي" للناشئين أولًا، مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام العودة إلى التجنيد الإجباري إذا لم تتحقق أهداف الاستقطاب.

التجنيد الطوعي كخطوة أولى

قالت كلير ديميسماي، الباحثة السياسية الفرنسية في برنامج العلاقات الفرنسية-الألمانية بمعهد العلاقات الخارجية الألماني (DGAP) في برلين، لـ"إرم نيوز"، إن قرار إعادة تفعيل الخدمة العسكرية في ألمانيا يأتي استجابة مباشرة لتصاعد التهديدات الروسية، سواء من خلال الحرب في أوكرانيا أو عبر تعزيز الحضور العسكري الروسي قرب الحدود الأوروبية.

رسالة سياسية واضحة إلى موسكو

ورأت ديميسماي أن هذا القرار يُعد إشارة سياسية واضحة إلى موسكو، مفادها أن ألمانيا، التي اعتمدت لعقود على الحماية الأمريكية وعضوية الناتو، باتت مستعدة اليوم لتحمّل مسؤولية أكبر في الدفاع عن أوروبا. ولفتت إلى أن إعادة بناء القدرات البشرية للجيش الألماني يُعد جزءًا من استراتيجية الردع تجاه أي محاولات روسية لتوسيع نفوذها أو لاختبار هشاشة الأمن الأوروبي.

من التوازن الدفاعي إلى الردع الاستراتيجي

واعتبرت ديميسماي أن خيار التجنيد الطوعي – وربما لاحقًا الإجباري – يعكس إدراكًا ألمانيًّا بأن المعادلة الأمنية القديمة لم تعد صالحة في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا، موضحة أن السياسات التي كانت تقوم على الحد الأدنى من التسليح والدفاع لم تعد كافية، وأن الهجوم الروسي يفرض على أوروبا مستوى جديدًا من الجاهزية.

وأضافت: "بالنسبة لألمانيا، التي تُعد أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي، فإن تعزيز قدرات الجيش لا يهدف فقط إلى حماية حدودها، بل أيضًا إلى طمأنة جيرانها، وإظهار أن برلين لم تعد الحلقة الأضعف في البنية الدفاعية الغربية".

مخاوف من تداعيات اقتصادية واجتماعية

بدوره، حذر هنريك أوترفيد، المدير المشارك في المعهد الفرنسي-الألماني وأستاذ مشارك في جامعات ألمانية، في تصريح لـ"إرم نيوز"، من أن التحوّل نحو التجنيد الإجباري يتطلب تنسيقًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا شاملاً، مشيرًا إلى أن "إلزام الشباب بالخدمة لا يكفي، بل يجب أن يكون هذا الالتزام مستدامًا ومفيدًا بعد انتهاء فترة الخدمة، لا أن يكون مجرد غاية بحد ذاتها".

وفي ما يخص الجوانب القانونية، أوضح أوترفيد أنه "من الناحية النظرية يمكن إعادة العمل بالتجنيد قانونيًّا"، لكنه حذر من أن الأثر العملي قد يكون محدودًا؛ بسبب تفكيك البنية التحتية اللازمة للتجنيد – مثل مراكز التعبئة والتدريب – بعد عام 2011. كما أعرب عن شكوكه في جدوى المشروع ما لم يُطرح ضمن رؤية واضحة ومقنعة للمواطنين.

وأكد أن القضية لا تتعلق فقط بمرحلة التجنيد، بل أيضًا بالحفاظ على القوات العاملة، مشيرًا إلى التحديات الكبيرة في إقناع الجنود بالبقاء ضمن الخدمة العسكرية. ودعا إلى اعتماد استراتيجية متكاملة تشمل تحسين بيئة العمل والتدريب، إلى جانب رفع الأجور، لجذب المتطوعين والحفاظ عليهم.

آلية تنفيذ جديدة.. واستبيان إجباري للشباب

وفي اجتماع تاريخي لمجلس الوزراء، عقد في مقر وزارة الدفاع، صادق التحالف الحاكم بقيادة ميرتس على مشروع قانون يُلزم كل شاب ألماني يبلغ 18 عامًا بتعبئة استبيان لتقييم مدى لياقته واستعداده لأداء الخدمة العسكرية. في المقابل، تبقى المشاركة اختيارية للنساء. وإذا لم تنجح هذه الآلية الطوعية في استقطاب الأعداد المطلوبة، يسمح القانون بإعادة تفعيل التجنيد الإجباري تدريجيًّا عبر موافقة البرلمان.

رفع عدد القوات ومواكبة التزامات الناتو

أكد وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، أن الخطوة ضرورية لضمان وجود قوة دفاعية متماسكة، لا تقتصر فقط على التسليح النوعي، بل تشمل كذلك رفع عدد الجنود. ويهدف المشروع إلى زيادة عدد الجنود النظاميين من 180 ألفًا إلى 260 ألفًا، إلى جانب مضاعفة عدد قوات الاحتياط.

ويرى الوزير أن البنية العسكرية الحالية غير كافية لمواجهة التحديات الجديدة، خاصة في ظل تراجع الثقة بمدى التزام الولايات المتحدة بحماية أوروبا.

عقبات دستورية واقتصادية

إعادة العمل بالتجنيد الإجباري لا تتعلق فقط بالأمن، بل تتطلب تعديلًا دستوريًّا، ما يستلزم موافقة ثلثي أعضاء البرلمان. كما حذّر بعض الخبراء من أن ألمانيا فقدت آلاف المنشآت والمراكز التي كانت ضرورية لتطبيق نظام الخدمة الشاملة.

أما اقتصاديًّا، فيحذر معهد "أيفوب" من أن التجنيد قد يُضعف سوق العمل، إذ يؤدي إلى تأخير دخول الشباب إليه، ما قد يؤثر على الإنتاجية والقدرة التنافسية. ويقترح المعهد أن تكون الخيارات الطوعية المشجعة، مع تقديم حوافز مالية، أكثر فاعلية وأقل تكلفة.

تداعيات أوسع

وأشارت دراسات إلى أن العودة إلى التجنيد قد تؤثر سلبًا على القطاع الصحي، الذي كان يستفيد سابقًا من آلاف المتطوعين المدنيين في المستشفيات ودور الرعاية. ومع توجيه الشباب إلى الخدمة العسكرية أو المدنية، قد تواجه هذه المؤسسات ضغطًا إضافيًّا في ظل نقص اليد العاملة وتأخر التدريب المهني.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC