logo
العالم

المفاوضات الروسية الأوكرانية.. صراع مصالح يعيد رسم أوروبا

القادة الأوروبيونالمصدر: رويترز

لم تكن مفاوضات الحرب الروسية الأوكرانية منذ اندلاعها في فبراير/ شباط 2022 مسارًا متصلًا نحو السلام بقدر ما كانت سلسلة محاولات متقطعة اصطدمت في كل مرة بجدار المصالح المتناقضة، والتي كشفت أن الصراع تجاوز كونه أزمة حدود ليصبح اختبارًا لإعادة رسم موازين القوة في أوروبا والعالم. 

مع الأسابيع الأولى للحرب، فُتحت قنوات تفاوض سريعة في بيلاروس ثم تركيا، في محاولة لاحتواء الصدمة العسكرية. 

وبلغ المسار ذروته في ربيع 2022 مع ما عُرف بـ"وثيقة إسطنبول"، التي شكلت أقرب نقطة وصل فيها الطرفان إلى إطار اتفاق محتمل، قائم على حياد أوكرانيا وضمانات أمنية دولية.

وبحلول مايو/ أيار 2022، انهارت المفاوضات بالكامل، لتتحول الحرب من أزمة قابلة للاحتواء إلى صراع مفتوح بلا أفق سياسي.

أخبار ذات علاقة

جنديان أوكرانيان يطلقان قذيفة هاوتزر

بلا أفق حاسم.. الحرب الروسية الأوكرانية تدخل "مسارات معقدة"

وبين عامي 2022 و2024، دخلت المفاوضات مرحلة الجمود، خاصة وأن موسكو رفعت سقف مطالبها بعد إعلان ضم 4 مناطق أوكرانية، مشترطة الاعتراف بهذه الوقائع قبل أي حوار، وتمسكت كييف بخطة سلام قائمة على الانسحاب الروسي الكامل واستعادة السيادة ومحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب.

في هذه الفترة، ظهرت مبادرات دولية متعددة، من الخطة الصينية المعروفة بخطة الـ 12 نقطة، إلى مؤتمرات دولية في أوروبا، لكنها جميعًا فشلت في تجاوز المواقف المتصلبة. 

ومع وصول دونالد ترامب مجددًا إلى البيت الأبيض في 2025، عاد الملف الأوكراني إلى طاولة المفاوضات بزخم جديد، من خلال مكالمات مباشرة مع الرئيس الروسي، وقمم غير مسبوقة، ومحادثات مباشرة في إسطنبول.

غير أن خطة السلام الأمريكية، التي تضمنت تنازلات إقليمية وقيودًا على الجيش الأوكراني، فجرت انقسامات حادة داخل أوكرانيا وأوروبا، ورغم تعديلها لاحقًا لتصبح أكثر مرونة، بقيت الخلافات الجوهرية قائمة، خاصة حول الأراضي والانضمام إلى الناتو والضمانات الأمنية.

أخبار ذات علاقة

 نقطة تفتيش أمنية في كييف

كييف تعلن عن جولة محادثات جديدة بشأن الحرب الروسية الأوكرانية

وأكد الخبراء أن تعثر المفاوضات بشأن الحرب الأوكرانية خلال 2025 لا يرتبط بتفاصيل الجلسات بقدر ما يعكس صدامًا عميقًا في الرؤى والأهداف، إذ ترى موسكو الصراع مسألة وجودية وأمنا قوميا لا تقبل فيها حلولًا مرحلية، خاصة وأن الغرب وكييف يرفضان أي تسوية تُفسر كتنازل استراتيجي. 

وأضاف الخبراء أن القنوات السرية والوسطاء، من تركيا إلى الصين مرورًا بالأمم المتحدة، افتقروا لأدوات الضغط الحقيقية، وهو ما جعل مبادرات التهدئة شكلية وعاجزة عن اختراق الخطوط الحمراء للطرفين. 

ولفتوا إلى أن روسيا لا تسعى لتجميد الصراع بقدر ما تهدف إلى فرض شروط طويلة الأمد، في حين تراهن أوروبا على إطالة أمد المواجهة، وفي الوقت نفسه تحاول أمريكا إدارة الأزمة لا حسمها. 

أخبار ذات علاقة

قوات أوكرانية

اجتماع برلين.. اختبار لوحدة الموقف الأوروبي ولخطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا

في البداية، قال الدبلوماسي الروسي السابق، ألكسندر زاسبكين، أن جذور الأزمة الأوكرانية تعود إلى مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، حيث تطورت أوكرانيا بحسب وصفه ككيان سياسي معادٍ لروسيا، في ظل توحد الأحزاب السياسية النافذة ورؤوس الأموال الكبرى على هذا النهج.

وأوضح في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن التيارات القومية المتطرفة، التي يصفها بالنازية، تحولت تدريجيًا إلى قوة سياسية أكثر نشاطًا وتأثيرًا داخل الدولة الأوكرانية.

وأشار زاسبكين إلى أن شبه جزيرة القرم انضمت إلى روسيا عقب استفتاء شعبي، بينما شهدت السنوات الثماني التالية تصعيدًا متكررًا بين نظام كييف ودونباس، في ظل انهيار الاتفاقات الخاصة بالحكم الذاتي، واستمرار القصف على مناطق الشرق، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين.

وأضاف الدبلوماسي الروسي السابق، أن المفاوضات الروسية الأوكرانية التي استضافتها إسطنبول كانت قد حققت تقدمًا ملموسًا واقتربت من اتفاق، إلا أن كييف وبتشجيع مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا انسحبت من التفاهمات وقررت مواصلة الحرب، وهو ما انعكس سلبًا على فرص التسوية حتى اليوم.

ويرى زاسبكين أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبنت نهجًا مغايرًا لإدارة جو بايدن، وتسعى إلى فتح مسار تسوية سياسية، مؤكدًا أن موسكو تنظر بإيجابية إلى هذه الجهود، بينما لا تزال العواصم الأوروبية أسيرة لما وصفه بالنهج "الروسوفوبي".

وشدد على أن موسكو تسعى إلى فرض تغيير في سياسات خصومها عبر تنفيذ شروطها المعروفة، والتي تشمل السيطرة الكاملة على مناطق دونباس وزابوروجيا وخيرسون، وتقليص حجم الجيش الأوكراني، وضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى تحالفات معادية، ومنع انتشار قوات أجنبية على أراضيها.

وأكد زاسبكين على أن روسيا ماضية في تحقيق هذه الأهداف "عاجلًا أم آجلًا"، معربًا عن أمله في أن يشكل تعزيز الحوار الروسي الأمريكي مدخلًا لإعادة فتح مسار سياسي جاد، بالتوازي مع توسيع التعاون مع الدول الصديقة والشريكة.

من جانبه، قال الدبلوماسي الأوكراني السابق، فولوديمير شوماكوف، إن القرار الحقيقي بإنهاء الحرب لا تملكه أوكرانيا ولا الولايات المتحدة ولا أوروبا، بل يعود بالدرجة الأولى إلى ما تريده روسيا. 

وفي تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أكد أن موسكو لا تبحث عن سلام فعلي، بل تسعى إلى فرض استسلام كامل على أوكرانيا.

ويرى شوماكوف أن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقوم على تجميد الصراع وتقديم تنازلات أوكرانية مقابل ضمانات أمنية، إلا أن هذا الطرح، من وجهة نظره، لا ينسجم مع جوهر الرؤية الروسية للحرب. 

أخبار ذات علاقة

مساعدي الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف

الكرملين: تغييرات أوروبا وأوكرانيا على خطة واشنطن لم تحسن فرص السلام

وأضاف الدبلوماسي الأوكراني، أن ترامب لا يدرك طبيعة هذا الصراع، معتبرًا أن الحرب ليست مرتبطة فقط بإقليم دونباس، بل تعكس رفض روسيا لاستقلال أوكرانيا الكامل وخروجها من نفوذها.

وأشار فولوديمير شوماكوف، إلى أن طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق تقديره، لا تتوقف عند أوكرانيا، بل تمتد إلى فضاء أوروبي أوسع، لافتًا إلى أن أوروبا تستعد لاحتمال تصعيد أكبر في ظل استفزازات روسية متكررة على الحدود. 

واعتبر أن ما يجري قد يشكل بداية لحرب أوسع أو نمطًا من الحرب الهجينة.

وفيما يتعلق بالوساطات الدولية، يرى شوماكوف أن تركيا والأمم المتحدة لا تملكان أدوات ضغط حقيقية على موسكو، معتبرًا أن الصين هي الطرف الوحيد القادر فعليًا على التأثير في القرار الروسي. 

وأوضح أن أي سلام قائم على تنازلات أوكرانية لن يكون سوى وهم سياسي، مشددًا على أن روسيا ستواصل الحرب حتى في حال تقديم تنازلات، متسائلًا عن الجهة القادرة على منع موسكو من استئناف القتال، ومؤكدًا أن لا ترامب ولا أوروبا يملكون الأدوات الكافية لذلك.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC