تستضيف العاصمة الألمانية برلين غدًا الإثنين، مباحثات أوروبية أمريكية رفيعة المستوى، في محاولة لتقريب وجهات النظر حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب، في خطوة تعد اختبارًا حقيقيًا لجدية المسار السياسي المطروح لإنهاء الصراع.
ويرى الخبراء أن "اجتماع برلين" يأتي في توقيت بالغ الحساسية، في ظل مساع مكثفة لمناقشة خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وسط انقسام أوروبي واضح حول مسار التسوية.
وقال الدكتور عمار قناة، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والتنبؤ السياسي في موسكو، إن هناك تكثيفًا ملحوظًا في النشاط الدبلوماسي الأمريكي المرتبط بالأزمة الأوكرانية، موضحًا أنه عند التعمق في المشهد يتضح أن جوهر الأزمة يتمركز داخل المنظومة الأوروبية في علاقتها مع أوكرانيا.
وأشار في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن ذلك الواقع يعكس إرادة أوروبية ضمنية لاستمرار الصراع، لافتًا إلى أن نهاياته مطروحة ضمن توافقات محددة، إلا أن القبول بالمبادرة الأمريكية يعني أوروبيًا خسارة استراتيجية واقتصادية وسياسية أمام روسيا، وهو ما لا ترغب به أوروبا في هذه المرحلة.
وأضاف الدكتور قناة أن الطرف الأمريكي يبدو مصرًا على الدفع نحو حل ما، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الطرح المطروح سيكون مرضيًا لجميع الأطراف، مبيّنًا أن التحرك الأمريكي ينطلق من الواقع العسكري الذي فرضته القوات الروسية.
واعتبر أن استمرار التصعيد العسكري لا يخدم مصالح أوروبا، فضلًا عن أوكرانيا، موضحًا أن المقاربة الأمريكية تقوم على براغماتية سياسية واضحة، إلا أن أسلوب المماطلة، وكثرة المداولات، والأخذ والرد، كل ذلك سيبقى حاضرًا خلال المرحلة المقبلة.
ونوه الدكتور قناة إلى أن أوروبا قد تجد نفسها مضطرة في نهاية المطاف إلى التراجع، مع محاولات للحفاظ على بعض المكاسب أو تحسين الشروط، مستدركًا أنه من الصعب توقع نتائج حاسمة أو نهائية على المدى القريب، لا سيما بعد اجتماع برلين يوم الإثنين.
ورجح في المقابل حدوث استفزازات أوروبية، سواء سياسية أو غير ذلك، إلى جانب استفزازات عسكرية محتملة من أوكرانيا، في إطار مساعٍ لجر روسيا إلى مستويات تصعيد عسكري أشد، مؤكدًا أن الحديث عن نهاية قريبة للصراع لا يبدو واقعيًا، مع إمكانية اعتبار التحركات الحالية خطوات تمهيدية في هذا الاتجاه.
وبيّن الدكتور قناة أن الموقف الروسي يرتكز على مبادرة أساسية طرحت خلال قمة ألاسكا، تتعلق بملف الأراضي، مشددًا على أن روسيا لم ولن تتنازل عن الأقاليم التي انضمت إليها، والتي لا تعد، وفق التصريحات الروسية منذ البداية، أوراقًا تفاوضية على أي طاولة.
وأشار قناة إلى تصاعد التفاعلات السياسية والمجتمعية داخل أوروبا، كما حدث، مؤخرًا، في باريس، معتبرًا أن هذه التحركات قد تشكل ضغطًا على النخب الليبرالية التي فقدت جزءًا كبيرًا من مصداقيتها، وفق رأيه.
من جانبه، أكد إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات والخبير في الشؤون الأوروبية، أن ألمانيا باتت، اليوم، تقود دفة الدعم الأوروبي لأوكرانيا بشكل واضح، مشيرًا إلى أن برلين أصبحت محور الثقة الأوروبية والأوكرانية، لا سيما فيما يتعلق بالدعم الاقتصادي.
وأشار في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن هناك توافقًا متزايدًا داخل الاتحاد الأوروبي حول الرؤية والمطالب الألمانية، معتبرًا أن هذا التوافق عزز أيضًا ثقة أوكرانيا بالدور القيادي الألماني.
وأضاف كابان أن أوروبا وصلت إلى مرحلة متقدمة من النقاش بشأن ما يعرف ببنود ترامب، وهو ما دفع إلى عقد مؤتمر يهدف إلى توحيد الموقف الأوروبي حيال هذه النقاط.
وكشف أنه رغم وجود توافق أمريكي أوروبي حول بعض الملفات، لا تزال هناك نقاط خلافية قيد البحث، موضحًا أن اجتماعات لندن، إلى جانب الاجتماعات المرتقبة في برلين، تندرج في إطار السعي لصياغة الموقف الأوروبي النهائي وإيصال رؤية مشتركة تجاه الأزمة.
وبيّن كابان أن أوروبا تتجه بصورة متزايدة نحو خيار المفاوضات، مع حرصها عبر تصريحاتها على التأكيد أنه لا يمكن التوصل إلى حل في أوكرانيا دون حضور أوروبي فاعل، مشددًا على أن أوروبا دفعت أثمانًا باهظة بمليارات الدولارات وعلى حساب شعوبها، ما يجعل التنازل عن الملف الأوكراني أمرًا بالغ الصعوبة.
ومضى كابان، قائلًا: إن القضية باتت مرتبطة، بشكل مباشر، بإعلان أوروبا عن طرحها ورؤيتها النهائية للأزمة الأوكرانية، وهو ما يرجح أن تتضح ملامحه خلال الاجتماع المرتقب في برلين.