logo
صعود اليمين المتطرف في أوروباالمصدر: إرم نيوز
العالم

2025 عام اليمين المتطرف.. أوروبا على حافة "التحول الكبير"

شهد عام 2025 تسارعاً غير مسبوق في صعود أحزاب اليمين المتطرف عبر القارة الأوروبية، في ظاهرة باتت تهدد النسيج الديمقراطي والاجتماعي للاتحاد الأوروبي

من ألمانيا إلى النمسا، ومن فرنسا إلى البرتغال، تصدرت الأحزاب اليمينية المتطرفة استطلاعات الرأي وحققت نتائج انتخابية تاريخية، مستغلة مخاوف الناخبين من الهجرة، والتراجع الاقتصادي، والهوية الثقافية المهددة.

ألمانيا.. زلزال سياسي يهز أوروبا

في 23 فبراير/ شباط 2025، شهدت ألمانيا انتخابات برلمانية مبكرة حققت فيها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف 20.8% من الأصوات، ليحل في المركز الثاني. يُعتبر هذا أفضل أداء لليمين المتطرف في البلاد منذ أيام الحرب العالمية الثانية.

استطاع الحزب الانتقال من الهامش السياسي إلى موقع مؤثر، مستغلاً الأزمات الاقتصادية، وموجة الهجرة، ومخاوف الناخبين من التغييرات الديموغرافية. وقد تركز خطاب الحزب على معاداة الهجرة والإسلام، ورفض سياسات الاتحاد الأوروبي.

أخبار ذات علاقة

الشرطة الألمانية تداهم "المسجد الأزرق" الذي يضم المركز الإسلامي في هامبورغ

نهاية "الاحتواء الناعم".. ألمانيا تتقدم الصف الأوروبي في مواجهة "الإخوان"

النمسا.. حزب الحرية يتصدر للمرة الأولى

حقق حزب الحرية بزعامة هربرت كيكل فوزاً تاريخياً أواخر العام الماضي بحصوله على 29.1% من الأصوات، بقفزة قدرها 13 نقطة مقارنة بالانتخابات السابقة العام 2019. هذا التشكيل الذي أسسه نازيون سابقون تمكن من تصدر نتائج الانتخابات لأول مرة في تاريخ النمسا.

في فبراير/ شباط 2025، تم التوصل إلى تشكيل ائتلاف في النمسا يضم حزب الشعب النمساوي المحافظ والاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين، بعد نحو 5 أشهر من المفاوضات المعقدة. جاء ذلك بعد فشل المفاوضات التي أجراها حزب الحرية إثر تصدره نتائج انتخابات سبتمبر.

رغم استبعاده من السلطة، ركزت أحزاب الائتلاف الثلاثة على قضايا الهجرة والإدماج، ووعد ستوكر بفرض "حظر دستوري على الحجاب لحماية القاصرات"، كما أعلن أنه "سيتم تعليق لم شمل الأسر مؤقتاً بأثر فوري"، في محاولة لاستمالة ناخبي اليمين المتطرف.

أخبار ذات علاقة

خيرت فيلدرز

من هولندا إلى النمسا.. هل تنفجر "فقاعة اليمين" في أوروبا؟

فرنسا.. التجمع الوطني يهدد الجمهورية الخامسة

واصل اليمين المتطرف لعب دور مركزي في المشهد السياسي عام 2025، مع حزب التجمع الوطني (بقيادة جوردان بارديلا الذي بات ينافس على مكانة قيادية ويظهر في استطلاعات الرأي كأحد أبرز المرشحين للرئاسة في 2027، حيث أشارت إحدى الدراسات إلى تقدّمه بنحو 35–36٪ من الأصوات إذا جرت الانتخابات الآن. 

ولأول مرة حقق التجمع الوطني انتصاراً برلمانياً في أكتوبر/ تشرين الأول، بعد اعتماد اقتراح قرار قدّمه الحزب لإدانة الاتفاقية الفرنسية الجزائرية الموقعة العام 1968.

الأزمات السياسية المتتالية التي ضربت فرنسا، بما في ذلك استقالة عدة رؤساء وزراء، عزز أيضاً من دعوات اليمين المتطرف لإجراء انتخابات مبكرة، كما فعلت مارين لوبان بانتقادها الحكومة ودعوتها لحل البرلمان.

أخبار ذات علاقة

البرلمان الفرنسي

فرصة للمتطرفين.. ميزانية 2026 في فرنسا تُضعف يمين الوسط

بريطانيا.. نايجل فاراج يعود بقوة

أما في بريطانيا، تمكن حزب إصلاح المملكة المتحدة اليميني المتطرف بزعامة نايجل فاراج من انتزاع مقعد برلماني من حزب العمال في انتخابات محلية مايو/ آيار 2025. يدعو فاراج إلى طرد مئات الآلاف من الأجانب في حال فوزه برئاسة الحكومة ويشكك، بين الحين والآخر، في التزام المسلمين بالقيم البريطانية. 

أخبار ذات علاقة

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر

هل كتب عام 2025 نهاية الديمقراطية البرلمانية في بريطانيا؟

إيطاليا.. من اليمين المتطرف إلى السلطة المستقرة

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي وصلت إلى السلطة، في سبتمبر/ أيلول 2022، على رأس حزب "أخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، باتت نموذجاً يُحتذى به لليمين الأوروبي. في سبتمبر 2025، دعت ميلوني إلى تشكيل مزيد من الحكومات المحافظة في الاتحاد الأوروبي، خاصة في فرنسا.

قالت ميلوني: "في إيطاليا، أثبتنا أن اليمين قادر على الفوز بالانتخابات وقادر أيضاً على الحكم"، وأضافت أنها "فخورة بترؤس حكومة على وشك أن تصبح الثالثة الأطول عمراً في الجمهورية الإيطالية".

بعد 3 سنوات في الحكم، تبدو ميلوني في موقع سياسي قوي يحسدها عليه كثير من قادة أوروبا، حيث تحافظ على نوايا تصويت تتجاوز 30%، بينما تواجه فرنسا سلسلة أزمات سياسية واقتصادية متتالية.

أخبار ذات علاقة

جانب من الاحتجاج في إيطاليا

إضراب عام في إيطاليا احتجاجًا على خطط الموازنة

المجر: فيكتور أوربان والديمقراطية غير الليبرالية

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان

يواصل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان قيادة نموذج "الديمقراطية غير الليبرالية" منذ أكثر من عقد. في مارس/ آذار 2025، طالب أوربان بحماية التراث المسيحي، ومنع أوكرانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي.

في أبريل/ نيسان 2025، أعلن أوربان عزم المجر على الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى أن "المحكمة لم تعد مؤسسة قضائية محايدة، بل أصبحت تتخذ مواقف سياسية". جاء القرار في سياق رفض المجر تنفيذ مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

هولندا.. الديمقراطيون يتصدرون واليمين يتمدد

خلافاً للتوقعات، شهدت هولندا، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول، 2025 انتخابات برلمانية أظهرت تراجعاً ملحوظاً لحزب الحرية اليميني المتطرف بقيادة خيرت فيلدرز. تصدر حزب الديمقراطيون 66 الوسطي النتائج بحصوله على 27 مقعداً، متقدماً على حزب الحرية الذي حصل على 25 مقعداً فقط.

ومع ذلك، لم يتراجع اليمين المتطرف فعلياً، حيث ارتفع تمثيل حزب منتدى الديمقراطية اليميني المتطرف من 3 إلى 7 مقاعد، وفاز حزب الإجابة الصائبة 21 بتسعة مقاعد، مما يعكس تشتت أصوات اليمين المتطرف على أحزاب متعددة وليس تراجعه الفعلي.

البرتغال.. حزب تشيغا يصبح ثاني قوة سياسية

حزب تشيغا اليميني المتطرف في البرتغال

في مايو/ آيار 2025، حقق حزب تشيغا اليميني المتطرف في البرتغال تقدماً كبيراً، ليصبح ثاني أكبر قوة سياسية بحصوله على 22.7% من الأصوات و60 مقعداً في البرلمان، متجاوزاً الحزب الاشتراكي الذي حصل على 58 مقعداً.

حزب "تشيغا"، الذي يعني اسمه "كفى"، تأسس العام 2019، وكان قد حصل على مقعد واحد فقط في انتخابات 2019، ثم ارتفع إلى 12 مقعداً في 2022، قبل أن يقفز بشكل درامي إلى 60 مقعداً في 2025، متبنياً خطاباً قومياً حاداً ومعادياً للهجرة والغجر والمسلمين.

في يوليو 2025، صوّت البرلمان البرتغالي لصالح تشديد سياسة الهجرة في البلاد بفضل أصوات الائتلاف الحاكم من اليمين واليمين المتطرف، حيث ستُمنح تأشيرات البحث عن عمل للمهاجرين ذوي المهارات العالية حصراً، وستكون شروط لمّ شمل الأسرة أكثر صرامة.

إسبانيا.. "فوكس" يتصدر الهجوم على المسلمين

سانتياغو أباسكال زعيم حزب فوكس الإسباني اليميني المتطرف

في إسبانيا، قدّم حزب "فوكس" اليميني المتطرف، خلال شهر يونيو/ حزيران 2025، مقترحين متتاليين، أولهما في مدريد، والآخر في إقليم أندلوسيا، يدعوان إلى منع الحجاب داخل جميع الأماكن والمباني العامة، من مدارس، ومستشفيات، وحدائق، إلى مؤسسات رسمية.

وخلال ديسمبر/ كانون الأول 2025، كشف أحدث استطلاع للرأي عن استمرار تقدم الأحزاب اليمينية في إسبانيا، حيث حقق حزب فوكس نسبة نوايا تصويت بلغت 17.4%، مسجلاً ارتفاعاً بحوالي 5 نقاط مقارنة بانتخابات يوليو/ تموز 2023.

دول إسكندنافيا.. اليمين يتغلغل في معاقل الديمقراطية الاجتماعية

في السويد، حصلت كتلة من اليمين المتطرف واليمين المحافظ الليبرالي على 176 مقعداً، مقابل 173 مقعداً لليمين الوسطي والخضر من أصل 349 مقعداً بالبرلمان السويدي، ما يمثل فوزها بنسبة 51% في الانتخابات البرلمانية العام 2022.

في فنلندا، يشارك حزب "الفنلنديون الحقيقيون" في الحكومة الائتلافية، بينما في الدنمارك والنرويج، يفرض اليمين المتطرف على الأحزاب التقليدية تبني مواقف متطرفة تجاه الهجرة.

التهديد للاتحاد الأوروبي

يهدد صعود اليمين المتطرف بتغيير جذري في طبيعة الاتحاد الأوروبي. معظم الأحزاب اليمينية تتبنى خطاباً معادياً للاتحاد الأوروبي، وتدعو إلى إعادة السيادة الوطنية الكاملة، ورفض سياسات بروكسل في الهجرة والاقتصاد والبيئة.

في المجر، يتهم أوربان مؤسسات الاتحاد الأوروبي بالفساد، وفي إيطاليا تدعو ميلوني إلى اتحاد أوروبي "أقل بيروقراطية وأكثر سيادة"، بينما في فرنسا وألمانيا يشكك قادة اليمين المتطرف في جدوى العضوية الأوروبية.

أحد المحاور المثيرة للقلق هو موقف معظم أحزاب اليمين المتطرف من روسيا. أوربان يرفض العقوبات على روسيا ويدعو لإعادة دمجها في الاقتصاد العالمي، وحزب البديل الألماني يدعو إلى تحسين العلاقات مع موسكو، بينما يعارض اليمين النمساوي المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

العوامل المحركة لصعود اليمين المتطرف

استفادت أحزاب اليمين المتطرف من حالة الإحباط التي يعيشها الناخبون بسبب ارتفاع التضخم، وتراجع القوة الشرائية، والحرب في أوكرانيا، وجائحة فيروس كورونا. في النمسا والبرتغال وإسبانيا، كان الوضع الاقتصادي المتدهور عاملاً رئيساً في صعود اليمين.

استغلت أحزاب اليمين المتطرف المخاوف بشأن الهجرة بشكل منهجي، حيث ربطت بين الهجرة والجريمة والإرهاب والبطالة. في ألمانيا وفرنسا والنمسا والسويد، أصبحت الهجرة القضية المحورية في الانتخابات.

ينجذب الناخبون الأوروبيون إلى لغة تعطي الأولوية للهوية الوطنية على قضايا أخرى مثل الاحتباس الحراري وسياسة النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان. الحنين للقومية والبطولات التاريخية والاعتزاز بالقيم الثقافية التقليدية، أصبحت عوامل متحكمة في مسارات اليمين المتطرف.

كذلك غياب مشروع واضح لأحزاب الوسط الديمقراطية الاجتماعية، وتناغم بعض هذه الأحزاب مع اليمين حتى لا تخسر أصوات الناخبين، أدى إلى تآكل قاعدتها الانتخابية لصالح اليمين المتطرف.

فهل ستتمكن أوروبا من احتواء هذه الموجة، أم أننا نشهد في 2026 نهاية المشروع الأوروبي كما نعرفه؟ الأشهر المقبلة ستحمل الإجابة، لكن المؤكد أن أوروبا تقف على مفترق طرق تاريخي يحدد مصيرها للعقود المقبلة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC