مقتل 8 أشخاص بغارات أمريكية على 3 مراكب في شرق المحيط الهادئ

logo
العالم

من هولندا إلى النمسا.. هل تنفجر "فقاعة اليمين" في أوروبا؟

خيرت فيلدرزالمصدر: رويترز

تشير المستجدّات الانتخابية في هولندا والنّمسا إلى متغيرات عميقة في المشهد السياسي الأوروبي، فعلى الرغم من فوز أحزاب اليمين المتطرف في الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية إلا أنّ فشلها في تشكيل الحكومة في النمسا وفي إدارة الحُكم في هولندا، سمح بقوى الوسط ويسار الوسط بالعودة بقوة إلى المشهد السياسيّ. 

أخبار ذات علاقة

 روب يتن زعيم حزب الديمقراطيين "دي-66"

نهاية عصر فيلدرز.. هزيمة اليمين المتطرف في انتخابات هولندا

في الانتخابات التشريعية الهولندية المستجدة نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خسر اليمين المتطرف بقيادة غيرت فيلدرز، الانتخابات التشريعية ومعها استحقاق تشكيل الحكومة، الذي ناله حزب الوسط "الديمقراطيون 66" برئاسة السياسي الشابّ روب بتين (38 سنة). 

الوسط الهولنديّ يقلب الطاولة 

وعلى الرغم من حيازة الحزبين 26 مقعدا نيابيا، إلا أنّ حزب "الدّيمقراطيون 66"، يعتبر هو الفائز بالنظر للخزان الانتخابي الذي صوت له في الانتخابات البرلمانية.

وفي مؤشر واضح على حجم الخسارة التي تكبدها حزب "فيلدرز"، فإنّ الأرقام الرسمية النهائية تشير إلى أن عدد مقاعده في البرلمان انخفض من 37 مقعدا إلى 26 مقعدا، في مقابل تحقيق "الديمقراطيون 66"، قفزة ملحوظة من 9 مقاعد إلى 26 مقعدا.

ويؤكد المتابعون للشأن الهولندي خاصة والأوروبي عامة، أنّ اليمين المتطرف في هولندا فشل فشلا ذريعا في إدارة الحُكم وفي المحافظة على التوافقات السياسية التي أبرمها الحزب مع حلفائه في الحُكم عقب فوزه في الانتخابات التشريعية السابقة التي أجريت في ديسمبر كانون الأول 2023. 

بعد 11 شهرا فقط، من تشكيله الحكومة، قادت سياسات  فيلدرز وحلفائه، البلاد إلى حالة من الاستعصاء السياسي والفشل الإداري والحكومي؛ ما استدعى تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة.

ويعزو الخبراء مسؤولية سقوط الحكومة اليمينية أولا، وخسارة حزب فيلدرز للانتخابات البرلمانية، إلى السلوك السياسي للأخير الذي سعى إلى إسقاط أفكاره الأيديولوجية اليمينية المتطرفة وفرضها على المشهد السياسي الهولندي، حيث مثّل مطلبه الدائم بالتشديد في موضوع الهجرة والتضييق على المهاجرين والأقليات الدينية واللغوية الأخرى، السبب المركزي لإسقاط الحكومة ولانقلاب المزاج الشعبي عليه.

كما يؤكد المراقبون أنّ فشل فيلدرز في الوفاء بوعوده الانتخابية مثل السكن الميسور للطبقات الضعيفة والمتوسطة والرعاية الصحية، والإعانات الاجتماعية، في مقابل تركيزه منذ اليوم الأول على موضوع الهجرة والمهاجرين أدى إلى خسارة الحكومة والحُكم في الوقت نفسه، مشيرين إلى أنّ الموضوع حساس جدا في السياق الهولندي المعروف بالتنوع الثقافي واللغوي.

وتُشير الدراسات والأبحاث العميقة للمشهد السياسي الهولندي إلى أنّ منظومة الحُكم وإكراهات الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تمثل العدو الأول والأقوى، للأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة، فعلى الرغم من الفوز الكاسح لفيلدرز في الانتخابات وحصوله على تحالف برلماني واسع بأغلبية مريحة، إلا أنّه فشل في إدارة البلاد التي تحتاج إلى واقعية براغماتية بعيدة كل البعد عن المقولات الإيديولوجية والأطروحات المتطرفة التي قد تأتي بالأصوات الانتخابية ولكنّها لا تؤمّن لصاحبها القدرة على إدارة الملفات الصعبة والاستجابة للاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية.

النمسا.. الفائز لا يشكل الحكومة 

تجربة اليمين المتطرف في النمسا لم تكن أفضل من تجربة نظيره في هولندا، إذ فشل "حزب الحرية النمساوي" في إدارة مفاوضات ناجحة مع الفرقاء السياسيين لتشكيل حكومة ائتلافية على الرغم من فوزه الكاسح في الانتخابات التشريعية في البلاد، بنسبة قاربت 29%.

وأمضى "حزب الحرية النمساوي"، المعروف بأطروحاته الشعبوية والمتطرفة ضدّ المهاجرين والأقليات وتشكيكه المستمر في الاتحاد الأوروبي ودعمه لروسيا، نحو 6 أشهر في المفاوضات السياسية العقيمة التي كادت تجرّ البلاد نحو أزمة سياسية وهيكلية عميقة.

وعقب فشله في هذا الاستحقاق، بادرت أحزاب الوسط ويسار الوسط، ممثلة في الاشتراكيين الديمقراطيين من يسار الوسط، وحزب الشعب، وحزب نيوس الليبرالي، إلى تشكيل حكومة ائتلافية ثلاثية، أدت اليمين الدستورية في مارس آذار الماضي، وعينت كريستيان شتوكر (رئيس حزب الشعب) مستشارا لها. 

أخبار ذات علاقة

عنصرا أمن في النمسا

ضبط أسلحة ورموز نازية بحوزة ألماني في النمسا

ووفقا للمراقبين والمتابعين، فإنّ التجربة النمساوية تشير إلى جملة من الدلالات، أهمها عجز اليمين المتطرف الواضح عن التوصل إلى برنامج سياسي وحكومي مع الفرقاء السياسيين يكون أساس عمل الحكومة الائتلافية.

ويعتبرون أنّ الإشكال يكمن في منسوب الثقة المتدهور حيث لا يحظى اليمين المتطرف بثقة الوسط واليسار، وذلك بالنظر لخطابه السياسي ولبرنامجه السياسي المؤدلج والمتطرف، ولعجزه الواضع عن التطور وملاءمة الاستحقاقات المحلية والإقليمية والدولية القائمة.

وبالنّظر لهذه التجارب، فإنّ الخيار الحكومي اليميني الوحيد القادر على الاستمرار هو حكومة "اليمين الشعبوي – واليمين المتطرف العنصريّ"، وهو خيار متعذر، ليس فقط في هولندا والنمسا، وإنما في عدة دول أوروبية أخرى، نظرا لاعتبارات سياسية عديدة.

اليمين المتطرف في فرنسا.. عجز عن الحسم 

التجربة الفرنسية بدورها، ليست بالتجربة الوردية لليمين المتطرف، على الرغم من تقدمه الواضح في سباق الانتخابات الرئاسية وتشكيل مرشحَيه منافسَيْن جديين في الدور الثاني من الاستحقاق الانتخابي الرئاسيّ.

فعلى الرّغم من التّنافس الشّديد، الذي أبدته مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، في السباق الانتخابي الرئاسي، ووصولها مرتين متتاليتين إلى المرحلة النهائية وحيازتها لأصوات انتخابية بالملايين، إلا أنّ اليمين المتطرف – ممثلا في جون ماري لوبان 2002، أو ابنته مارين لوبان في 2018 و2022- لم يحقّق الفوز في الاستحقاق الرئاسي.

ويؤكد المتابعون للشأن السياسي الفرنسيّ أنّ الانتخابات البرلمانية لسنة 2024، كانت في غاية الدلالة عن المزاج الانتخابي الفرنسي، الذي وإن أعطى الأسبقية في الجولة الأولى لليمين المتطرف بنسب عالية، إلا أنه سرعان ما استدرك وصوَّت للوسط ولأقصى اليسار في الجولة الثانية، وذلك قصد تحقيق التوازن السياسي المطلوب.

وقد انتهت الانتخابات البرلمانية الفرنسية بـ 182 مقعدا لليسار (ممثلا في الجبهة الشعبية الجديدة)، و168 للتحالف المؤيد للرئيس ماكرون، و143 مقعدا لليمين المتطرف.

ولم تشكل المقاعد النيابية العديدة لليمين المتطرف، عامل تحفيز للرئيس إيمانويل ماكرون لعقد توافقات سياسية لتشكيل حكومة ائتلافية بغالبية نيابية واسعة؛ الأمر الذي يثبت انعدام الثقة في هذا الفصيل السياسيّ.

والحقيقة أنّ جميع الحكومات التي تشكلت في عهد ماكرون كانت بعيدة عن "اليمين المتطرف"، وبمنأى أيضا عن "أقصى اليسار" ممثلا في حزب "فرنسا الأبية".

ولئن كان اليمين المتطرف الفرنسي ينظر بكثير من الطموح، للانتخابات الرئاسية في 2027، لتحقيق اختراق انتخابي طال انتظاره، فإنّ جميع استطلاعات الرأي وسبر نوايا التصويت، المنشورة إلى حدّ هذه اللحظة، تشير إلى نقطتين في غاية الأهمية، الأولى وجود جولة ثانية أي أنّ مرشح اليمين المتطرف لن يحسم الأمر منذ الجولة الأولى، والنقطة الثانية أنّه في حال توافق أحزاب اليمين الديغولي والوسط واليسار الكلاسيكي وأقصى اليسار على مرشح واحد في الجولة الثانية فستكون الغلبة لصالحه.

ألمانيا.. اليمين المتطرف خارج الحسابات

في السياق أيضا، يضع الخبراء تجربة اليمين المتطرف في ألمانيا، كمثال سياسي عن حالة الفتور والبرود السياسيين، الذي تبديه النخبة السياسية حياله.

رغم حصول حزب "البديل من أجل ألمانيا" على المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية وحيازته نحو 21 في المئة من الأصوات، فإنّ الأحزاب الأخرى فضلت استبعاده من مشاورات تشكيل الحكومة.

ويعود هذا الاستبعاد إلى سياساته المتطرفة وخطابه الأحاديّ وسعيه للخروج من الاتحاد الأوروبي وضربه جميع مقوّمات السّلم الاجتماعي، التي يمثل التنوع الثقافي واحترام الأقليات المهاجرة والثقافية أساسها المركزي.

حيال كل ما سبق، ينتهي الخبراء والمتابعون إلى التّأكيد بأنّ "اليمين المتطرف" في أوروبا يعيش "ربيعا انتخابيا" ويعرف "صعودا اقتراعيا"، لا يمكن إنكاره بلغة الأرقام وبحساب النسب والكمّ، غير أنّ هذا الربيع عاجز عن التحوّل إلى "ربيع حُكم وإدارة وسياسة"، باستثناء إيطاليا والمجر، وهي دول تعاني تاريخيا من ضعف شديد لقوى الوسط واهتراء لليسار، وغياب لكتلة يمينية ديمقراطية وجمهوريّة وازنة.

ويعتبر الخبراء أنّ الخطر الحقيقي على اليمين المتطرف في أوروبا، يكمن في أمرين اثنين، الأول هو إكراهات الحُكم ومقتضيات إدارة البلاد، والشواهد هنا تشير إلى فشل ذريع في هذا الملف، والثاني هو وجود يمين جمهوري وديمقراطي، يحول دون تفرده بمقولات اليمين واحتكار شعاراته، وكلما كان هذا اليمين جمهوريا نافس اليمين المتطرف في خزان انتخابي لا بأس به.

ويستدلّ المتابعون في هذا السياق بنموذج "إدوارد فيليب"، السياسي اليميني الفرنسي، الذي يؤرق كثيرا اليمين المتطرف وقد يكون سببا في عدم وصولهم إلى الإيلزيه في 2027؛ إذ شرع مؤخرا في نقاشات عميقة مع الوسط ومع من سماه بـ "اليسار الميتيراني" – نسبة لفرانسوا ميتيرون الرئيس الفرنسي الراحل- لدعمه في حال وصوله إلى المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية وفق ما تشير إليه استطلاعات الرأي في فرنسا.

في المحصلة، يبدو أنّ ما يخشاه الرأي العام من اليمين المتطرف، هو ذاته "الداء والدواء"، ذلك أنّ كرسي القيادة والحكم، قد يكون هو الكفيل الحقيقي، لإضعافه وإخراجه من دائرة الحُكم، وهو خروج من دائرة السلطة، لا يعني أبدا تبخيس دوره السياسي في البرلمان كقوة معارضة لا بأس بها.

على أن رجوعها للحكم ونجاحها فيه منوط بفهمها العميق لحقيقة الحُكم ولإكراهات، وتقديمها تنازلات سياسية وفكرية وثقافية ضرورية ولازمة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC