logo
العالم

الانتخابات الهولندية.. اختبار جديد للمناعة الأوروبية ضد اليمين المتطرف

الزعيم اليميني الهولندي خيرت فيلدرزالمصدر: رويترز

يجد المشهد السياسي في هولندا، وهو على أعتاب الانتخابات التشريعية المبكرة، أمام اختبار حاسم بين تعب التعبئة الشعبوية والخوف من الفوضى.

فخيرت فيلدرز، زعيم اليمين المتطرف وحزب “من أجل الحرية” (PVV)، يتصدر استطلاعات الرأي، لكن الطريق إلى رئاسة الوزراء لا يزال مسدودًا بفعل نظام سياسي شديد التوازن وطبقة سياسية ترفض الائتلاف معه.

يُلقّب فيلدرز بـ"ترامب الهولندي" لأسلوبه الصدامي وشعاراته القومية المعادية للهجرة والإسلام، وهي مواقف أكسبته قاعدة جماهيرية غاضبة من السياسات التقليدية، لكنها في الوقت نفسه جعلت منه شريكًا غير مرغوب فيه داخل الساحة السياسية الممزقة بين اليمين المعتدل واليسار البيئي- الاجتماعي.

 

أخبار ذات علاقة

خيرت فيلدرز

هولندا.. اليمين المتطرف يبحث عن تحالفات عشية الانتخابات

شعبية لا تكفي للحكم

كما هو الحال في فرنسا، خامس أكبر اقتصاد في أوروبا، عالق بين ثلاث قوى لا يمكن التوفيق بينها: اليمين القومي الذي ينتمي إليه فيلدرز، والوسطيون المنقسمون إلى عدة مجموعات، والتحالف بين حزب العمال والخضر. 

تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب فيلدرز قد يحقق نحو 30 مقعدًا، ليصبح القوة الأولى في البرلمان، لكن هذا لا يضمن له تشكيل الحكومة في ظل النظام النسبي الذي يجعل من المستحيل تقريبًا لأي حزب أن يحكم منفردًا.

فالأحزاب الرئيسة، من الليبراليين (VVD) إلى الديمقراطيين المسيحيين (CDA) واليسار الأخضر، العمالي (GroenLinks-PvdA) - أعلنت رفضها القاطع للتعاون مع فيلدرز، خوفًا من فقدان شرعيتها الديمقراطية أو إثارة أزمة داخلية.

 

أخبار ذات علاقة

لوحات انتخابية في هولندا

من اليمينية إلى الاعتدال.. هولندا تتجه لانتخابات "تعاقب" الشعبوية

التردد في التعامل مع فيلدرز لا ينبع فقط من مواقفه المتطرفة، بل من تجربته السابقة في إسقاط الحكومات.

فقد انسحب في يونيو الماضي من الائتلاف الحاكم، معرقلًا مشروعًا لتشديد قوانين اللجوء، ما أدى إلى انهيار الحكومة بعد أحد عشر شهرًا فقط من توليه السلطة. ومنذ ذلك الحين، يُنظر إليه كعامل فوضى سياسي، يجيد استثمار السخط الشعبي أكثر من إدارته في مؤسسات الدولة.

فرص فيلدرز في الوصول لرئاسة الوزراء

رفع فيلدرز سقف التوقعات بإعلانه أنه إذا أصبح حزبه الأكبر في 29 أكتوبر، يجب أن يُعيَّن هو رئيسًا للوزراء. وقد أيّد هذا الموقف زعيم الحزب اليميني الشعبوي الآخر "JA21" يوست إيردمانس، والنائب السابق عن حزب العمال (PvdA) بيتر ريوينخيل.

لكن في الواقع، فإن فرص فيلدرز في تتويج مسيرته البرلمانية الممتدة منذ 27 عامًا بالوصول إلى مكتب رئيس الوزراء تكاد تكون منعدمة، وذلك بسبب طبيعة النظام السياسي الهولندي نفسه.

ويعتمد النظام الانتخابي في هولندا على التمثيل النسبي الكامل، حيث يتطابق عدد المقاعد التي يحصل عليها كل حزب في البرلمان (المؤلف من 150 عضوًا) تمامًا مع حصته من الأصوات، وبما أن الحصول على 0.67% من مجموع الأصوات يكفي لدخول البرلمان، يصبح من المستحيل عمليًا لأي حزب أن ينال الأغلبية المطلقة.

 

أخبار ذات علاقة

خيرت فيلدرز

بعد تهديدات.. فيلدرز يستأنف حملته للانتخابات البرلمانية الهولندية

وعليه، فإن تشكيل ائتلافات حكومية من حزبين أو ثلاثة هو القاعدة، بينما كانت الحكومات الثلاث الأخيرة مكوّنة من تحالفات رباعية، من بينها آخر حكومة ضمّت حزب فيلدرز كشريك متساوٍ لأول مرة.

عقبة الأغلبية البرلمانية

كذلك لا يمكن لأي حكومة أن تتولى مهامها إلا بعد نيلها ثقة الأغلبية البرلمانية، وهو ما يُعدّ التحدي الأكبر أمام فيلدرز، بعد أن أعلنت معظم الأحزاب الرئيسة الأخرى رفضها الصريح للتحالف معه.

يقول بيرت فان دن براك، أستاذ التاريخ السياسي في جامعة ماستريخت: "يمكنهم محاولة تشكيل حكومة بلا أغلبية، لكنها ستُسقط فورًا. وفي حالة حكومة يقودها فيلدرز، أعتقد أن هذا ما سيحدث بالفعل".

والخيار الآخر لفيلدرز هو التخلي عن طموحاته في أن يكون رئيسًا للوزراء والسماح لزعيم حزب آخر أو تكنوقراط، مثل رئيس الوزراء الحالي ديك شوف، برئاسة الحكومة. بيد أن هذه المرة لا توجد شهية في لاهاي لتكرار التجربة بسبب الاشتباكات المستمرة بين قادة أحزاب الائتلاف. 

استراتيجية “الفزع من الهجرة”

يعتمد فيلدرز على خطاب مركزي هو الهجرة، مستغلًا تصاعد الاحتجاجات ضد مراكز استقبال اللاجئين، خصوصًا في المناطق الفقيرة والمتوترة اجتماعيًا.
هذا الخطاب وجد صداه في الشارع، حيث يخشى كثير من المواطنين من فقدان الهوية الوطنية وتزايد الضغط على الخدمات الاجتماعية. لكنه أيضًا أثار انقسامًا حادًا في المجتمع الهولندي، الذي يواجه صعوبة في التوفيق بين قيم الانفتاح والتسامح وتنامي النزعات القومية.

يتجاوز تأثير فيلدرز حدود هولندا. فصعوده يتزامن مع موجة يمينية متنامية في أوروبا — من فرنسا إلى ألمانيا — تغذيها الأزمات الاقتصادية والهجرة والقلق من تراجع الهوية القومية.

 

أخبار ذات علاقة

غيرت فيلدرز

تحذيرات استخباراتية تدفع فيلدرز لتعليق حملته الانتخابية في هولندا

نجاحه في تحقيق نتائج قوية، حتى دون الوصول إلى رئاسة الحكومة، سيشكل اختبارًا جديدًا لمدى صمود “التحصين الديمقراطي” الأوروبي أمام الشعبوية القومية.

ومع تصاعد التحديات التي تفرضها الأحزاب الشعبوية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وبعد فوز حزب اليمين التشيكي "ANO"، تُعتبر الانتخابات الهولندية بمثابة اختبار حاسم لقياس مدى قدرة اليمين المعادي للهجرة والمشكك بالاتحاد الأوروبي والمقرّب من نهج ترامب على توسيع قاعدته السياسية.

فخيرت فيلدرز الذي يمثل ظاهرة أكثر من كونه مشروعًا للحكم، يعد مرآة لقلق مجتمعي عميق وشعور بالانفصال بين الطبقة السياسية والناخبين.

 لكن النظام البرلماني الهولندي، المصمم لمنع أي استبداد سياسي، يبدو حتى الآن قادرًا على احتواء “الترامبية” الهولندية داخل حدود الديمقراطية التوافقية، وإن كان ثمنها عدم الاستقرار.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC