في خطوة سياسية حاسمة شهدتها الجمعية الوطنية الفرنسية، فشلت مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني، اليميني المتطرف "RN"، في تحقيق هدفها المعلن للإطاحة بحكومة سيباستيان لوكورنو، ضمن استراتيجيتها المعروفة بتسريع الأحداث السياسية نحو حل البرلمان أو دفع الرئيس إيمانويل ماكرون للاستقالة في أقرب وقت ممكن.
فمنذ سبتمبر/ أيلول الماضي، انخرطت لوبان في حملة حجب الثقة، حيث حشدت 123 نائباً من حزبها و16 نائباً من حليفها الجمهوري إريك سيوتي للتصويت على اقتراح حجب الثقة المقدم من حركة "فرنسا الأبية " LFI" ، الذي كان الأرجح نجاحه، بحسب ما ذكرت صحيفة "لوفيجارو".
إلا أن الاقتراح فشل، إذ حصل على 271 صوتاً فقط مقابل 289 لازمة لاعتماده، ولتعويض ذلك، قدمت لو بان اقتراحاً خاصاً بها، إلا أن نتيجته فضحت عزلة القوميين داخل البرلمان، إذ لم يحصل سوى على 144 صوتاً، بعيداً عن الأغلبية المطلقة.
في كلمتها أمام البرلمان، استعانت لوبان بمقولة الرئيس شارل ديغول واصفةً الجمهورية الرابعة بأنها "نظام الشقاء"، ووجهت نقداً لاذعاً لرئيس الوزراء والكتلة الوسطية والجمهوريين والحزب الاشتراكي، مشيرةً إلى أن الفرنسيين لم يعودوا يتابعون اقتراحات حجب الثقة منذ إعادة انتخاب ماكرون في 2022.
كما اعتبرت أن مدة بقاء الوزراء أصبحت تقاس بالساعات بدلاً من الأشهر أو السنوات، وانتقدت الميزانية الحالية واصفة إياها بـ"متحف الفظائع"، مؤكدة أن العام المالي ليس أبيض بل "أسود" بالنسبة للفرنسيين، خاصة للموظفين الذين يدفعون الضرائب.
تركزت هجمات لوبان على التحالف بين الكتلة الوسطية والحزب الاشتراكي، ورفض الجمهوريين دعم مقترحات الحجب، معتبرة أن هدف الحكومة الحقيقي هو "تجنب انتخابات جديدة وإسكات الشعب وإخفائه"، كما تنبأت لوبان بأن "الفرنسيين لن يفلتوا من التصويت"، لكنها أدركت أن استمرار الحزب الاشتراكي في رفض حجب الثقة يحرمها من جزء من النفوذ الذي اكتسبته منذ حل الجمعية الوطنية في يونيو/ حزيران الماضي.
بدأت استراتيجية لوبان التصعيدية في 7 سبتمبر، قبل يوم من سقوط حكومة رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو، حيث طالبت بشكل متكرر بعودة الانتخابات المبكرة، بحل البرلمان، بل وحتى باستقالة ماكرون، مدعومة بصدى من جوردان بارديلا، رئيس حزب"RN" وقد كانت هذه الخطوات تمثل خروجاً واضحاً عن مبدأ حزبها عام 2022 الذي كان يقوم على "الحكم على الأمور بناءً على الوقائع"، لتصبح الحملة الحالية حملة شاملة ضد الحكومة.
ومع إعلان سقوط الحكومة المفاجئ للوكورنو إثر تغريدة لرئيس الجمهوريين برونو ريتايّو، بدا أن استراتيجية لوبان كانت جاهزة للتنفيذ، في اليوم التالي، أعلنت لوبان لمقربيها: "انتهت المسرحية، سنحجب الثقة عن جميع الحكومات القادمة" حتى تحقيق حل البرلمان أو استقالة الرئيس، وبضع دقائق كان كافياً لتفعيل ما أُطلق عليه "خطة ماتينيون الثانية"، حيث تم إعداد برنامج بديل لقيادة البرلمان في حال لم تحقق الأغلبية المطلقة.
على الرغم من محاولتها جذب ما تبقى من الجمهوريين نحو الحظيرة القومية، لم يحظَ اقتراحها إلا بتصويت 3 نواب من اليمين، ليكون الفشل واضحاً مرة أخرى.
كما تواجه لوبان تحديات قضائية كبيرة، إذ أُدينت 5 سنوات من عدم الأهلية السياسية مع التنفيذ الفوري في مارس/ آذار الماضي، ومن المقرر أن تمثل أمام المحكمة في 13 يناير/ كانون الثاني المقبل، بعد أن رفض المجلس الأعلى إحالة طلبها الأولوية للدستورية حول أهلية ترشحها.
ويؤكد مراقبون أن فشل استراتيجية لوبان في حجب الثقة عن حكومة لوكورنو يضعها أمام مأزق سياسي كبير، ويجعل جدول أعمالها الانتخابي تحت رحمة قرارات القضاء والواقع البرلماني، مما قد يعيد ترتيب الأولويات داخل حزبها وبقية القوى السياسية في فرنسا.