تسعى الصين إلى توسيع هيمنتها على سوق المعادن الأرضية النادرة عبر فتح صفحة جديدة مع ماليزيا، بعدما فعلتها مع منغوليا، في خطوة تُظهر مرونة تكتيكية في واحدة من أكثر الصناعات حساسية استراتيجياً.
فوفقاً لتقارير إعلامية، تدرس كوالالمبور وبكين مشروعاً مشتركاً لبناء مصفاة لمعالجة المعادن النادرة، بتمويل من صندوق "خزانة الوطنية" الماليزي، وبشراكة مع شركة صينية مملوكة للدولة.
وذكر موقع" فرست بوست" أن هذه الخطوة تمثل انحرافاً عن نهج الصين التقليدي، التي لطالما فرضت قيوداً صارمة على نقل تكنولوجيا المعالجة بهدف الحفاظ على موقعها المهيمن عالمياً.
لكن منح ماليزيا إمكانية الوصول إلى هذه التكنولوجيا قد يفتح الباب أمام معادلة جديدة، حيث تربح بكين نفوذاً إضافياً على احتياطيات غير مستغلة تقدر بنحو 16.1 مليون طن، بينما تحصل كوالالمبور على فرصة للدخول في سلسلة القيمة العالمية.
تحاول الصين عبر هذه الشراكة تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على أسرارها الصناعية واستغلال موارد دول أخرى لتعزيز سيطرتها على السوق.
وتُعد المعادن الأرضية النادرة، سواء الخفيفة أو الثقيلة، حجر الزاوية في قطاعات تمتد من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية إلى الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا النظيفة.
غير أن الأنواع الثقيلة على وجه الخصوص، مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، تواجه ندرة متزايدة بسبب ارتفاع الطلب العالمي، ما يجعل احتياطيات ماليزيا ورقة رابحة في يد الصين.
إذا مضى المشروع قدماً، فقد يشكل تحدياً مباشراً لشركة ليناس راير إيرثز الأسترالية، التي تدير بالفعل منشأة للمعالجة في ولاية باهانج الماليزية.
وتعد ليناس المنافس الغربي الأبرز للصين في هذا القطاع، وتحظى بدعم استراتيجي من الولايات المتحدة واليابان الساعيتين لفك الارتباط التدريجي عن الإمدادات الصينية.
بالتالي، فإن دخول الصين إلى ماليزيا بهذه القوة قد يغيّر توازن القوى في سوق إقليمي لطالما اعتبره الغرب مساحة لتعزيز أمنه التعديني بعيداً عن قبضة بكين.
ورغم الحماسة الظاهرة، تواجه الخطة عقبات حقيقية؛ فمصادر ماليزية أشارت إلى مخاوف من أن الإمدادات المحلية من المواد الخام قد لا تكفي لتشغيل المصفاة بكامل طاقتها.
كما تثير الآثار البيئية لبناء المصفاة قلقاً واسعاً، خصوصاً أن التعدين والمعالجة يتطلبان تراخيص متعددة على مستوى الولايات والحكومة الفيدرالية، إضافة إلى مواجهة المعارضة الشعبية المرتبطة بالمخاطر الصحية.
من جانب آخر، أصدر الرئيس الصيني شي جين بينغ توجيهات بتشديد الرقابة على التعاون مع شركات الدولة لمنع تسرب التكنولوجيا الحساسة، ما قد يعقّد المفاوضات مع كوالالمبور.
تأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه شركات التصنيع الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة واليابان إلى تأمين إمدادات بديلة بعد أن فرضت بكين هذا العام قيوداً جديدة على صادرات المعادن النادرة، ما تسبب في تعطيل إنتاج شركات السيارات والمغناطيس الصناعي.
يعزز هذا الوضع صورة الصين كـ"حارس البوابة" العالمي لموارد لا غنى عنها للاقتصاد الحديث، ويضع ضغوطاً على الدول الصناعية لإيجاد شراكات بديلة أو تطوير تقنيات إعادة التدوير لتعويض النقص.
تمثل المفاوضات بين الصين وماليزيا أكثر من مجرد مشروع اقتصادي؛ إنها فصل جديد في المنافسة الجيوسياسية على الموارد الاستراتيجية.
فإذا نجحت بكين في نقل جزء من عملياتها إلى جنوب شرق آسيا دون خسارة سيطرتها التكنولوجية، فستعزز قبضتها على السوق العالمي وتزيد من صعوبة جهود الغرب لفك الارتباط عنها.
أما ماليزيا، فهي تقف بين إغراء الاستفادة من ثرواتها المعدنية وإكراهات المخاطر البيئية والتنظيمية، في معادلة ستحدد دورها في خريطة الطاقة والتكنولوجيا لعقود قادمة.