بينما احتفلت جزر كوك، الأسبوع الماضي، بمرور 60 عاماً على استقلالها، كانت ترسم رؤية مستقبلية من خلال إعلان شراكة جديدة مع الولايات المتحدة في مجال التعدين في قاع البحر.
وستفتح الشراكة، التي أُعلن عنها على هامش مهرجان احتفالي بالاستقلال، آفاقاً اقتصادية وإستراتيجية، وتشكّل رد فعل أمريكياً على النفوذ الصيني المتزايد في منطقة المحيط الهادئ، وفق تقرير لموقع "ناشيونال سكيورتي جورنال".
ويركّز التعاون على البحث العلمي، والتعدين في أعماق البحار، مما يمهّد لمواجهة القوة الناعمة الصينية في المنطقة، خاصة عقب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في أبريل الماضي، لتشجيع الشركات على الاستثمار في مشاريع التعدين تحت سطح البحر خارج الحدود.
بالنسبة لجزر كوك، التي يبلغ عدد سكانها أقل من 20 ألف نسمة ومتوسط دخلها السنوي نحو 13 ألف دولار أمريكي، يمثّل التعدين في قاع البحر نقلة نوعية اقتصادية، إذ توقّعت دراسة أجريت، العام 2019، أن تُدرَّ صناعة التعدين المعدني إيرادات بمليارات الدولارات.
ومع ذلك، تفتقر الجزر، حالياً، إلى البنية التحتية والقدرات المالية اللازمة للانتقال من مرحلة الاستكشاف إلى العمليات التجارية الكاملة، إذ تقع جزر كوك على قمة احتياطي معدني هائل، حيث تمتد منطقتها الاقتصادية الخالصة على مليوني كيلومتر مربع، وتحتوي على نحو 12 مليار طن من العقيدات متعددة المعادن.
وهذه العقيدات غنية بـ: الكوبالت، والنيكل، والنحاس، والمنغنيز، والنيوبيوم، والزركونيوم، بالإضافة إلى عناصر أرضية نادرة أخرى، يُدرج العديد منها في قائمة وزارة الداخلية الأمريكية لـ50 معدناً حرجاً.
أما بالنسبة لواشنطن، فتُمثّل الشراكة فرصة إستراتيجية لمواجهة الصين، التي تحتكر، حالياً، معادن الطاقة الرئيسة، ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، موطن أكبر احتياطيات الكوبالت والنحاس في العالم، تسيطر الشركات الصينية على 72% من قطاع التعدين، بما في ذلك منجم تينكي فونغوروم الذي يمثل 12% من إنتاج الكوبالت العالمي.
وتمنح هذه الهيمنة بكين أفضلية في تصنيع البطاريات وأشباه الموصلات، وتعزز نفوذها في المفاوضات التجارية، وعلى سبيل المثال، ردت الصين على رفع ترامب الرسوم الجمركية بتقييد صادرات العناصر الأرضية النادرة، مما أثر على صناعات الدفاع الأمريكية.
وفي وقت سابق هذا العام، وقعت جزر كوك اتفاقية شراكة شاملة مع بكين، تضمنت مذكرة تفاهم تتيح للصين المشاركة في استخراج المعادن داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر. وتوفر الشراكة الأمريكية بديلاً قائماً على القواعد الدولية، معززة مرونة سلسلة التوريد الأمريكية، وتعزيز الأمن الإقليمي.
وإذا استمرت هذه الشراكة، قد تساعد في الحد من قبضة الصين على إمدادات الموارد العالمية، وإغلاق طرق أخرى لإظهار قوتها، إذ تستغل بكين الترتيبات الاقتصادية في دول جزر المحيط الهادئ لأغراض عسكرية سرية. كما حدث في رصيف لوغانفيل بفانواتو، الذي جُدد أصلاً لسفن الشحن، لكنه، الآن، قادر على استقبال السفن الحربية الصينية.
كما أن عمليات التعدين في قاع البحر عرضة لاستراتيجية الاندماج العسكري المدني الصينية، فبكين التي تشغّلُ أسطولاً حكومياً يضم 64 سفينة بحثية، سجلت آلاف الساعات عالمياً في السنوات الأربع الماضية.
رُصدت هذه السفن قرب ألاسكا وداخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين، ويُشتبه في أن 80% منها مرتبطة بالجيش الصيني، تقوم بـ"الغوص المزدوج" لرسم خرائط قاع البحر لعمليات غواصات محتملة تحت غطاء البحث.
وإذا عززت جزر كوك تعاونها البحثي مع بكين، قد يمهّد ذلك لسفن أبحاث صينية في مياهها، مما يثير مخاوف أمنية لحلفاء أمريكا مثل أستراليا ونيوزيلندا، لذا، توفر الشراكة الأمريكية الجديدة بديلاً واضحاً للابتعاد عن المدار الاستراتيجي الصيني.