تواجه الولايات المتحدة أزمة حادة في الوصول إلى المعادن الحيوية الضرورية لقطاعات الدفاع، والطاقة النظيفة، وصناعة السيارات الكهربائية والإلكترونيات.
ومع فرض الصين قيودًا على تصدير العناصر الأرضية النادرة، وتصاعد المنافسة العالمية على الموارد الاستراتيجية، تبرز أفريقيا كخيار أسرع وأكثر جدوى مقارنة بمصادر بديلة معقدة مثل أوكرانيا وغرينلاند وكندا.
تشير التقديرات إلى أن أفريقيا تمتلك حوالي 30% من احتياطيات المعادن الحيوية المؤكدة عالميًّا، بدءًا من الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى معادن البلاتين في جنوب أفريقيا، والجرافيت في موزمبيق.
لكن هذه النسبة قد تكون أقل من الإمكانات الحقيقية، إذ لا تزال القارة تعاني من ضعف في الاستكشافات الجيولوجية.
هذا المخزون الضخم يمنح أفريقيا موقعًا استراتيجيًّا يضعها في قلب المنافسة الدولية، خصوصًا مع إدراك القادة الأفارقة لهذه الفرصة وتبنيهم استراتيجية الاتحاد الأفريقي للمعادن الخضراء في ديسمبر 2024.
رغم التحركات الأمريكية لتعزيز إنتاجها المحلي عبر أوامر تنفيذية وتشجيع الاستثمار الداخلي، فإن هذه الإجراءات لن تكون كافية لتلبية الطلب المتزايد بسرعة.
إفريقيا تفتح أمام الشركات الأميركية فرصة ثلاثية الأبعاد تجمع بين استثمار ثرواتها المعدنية الغنية، وتطوير البنية التحتية الناقلة من مناجمها إلى موانئها، وتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء عبر مشاريع طاقة تقليدية ومتجددة تدعم القطاع الصناعي والتعديني معًا.
ولطالما عانت أفريقيا من اتهامات بالفساد وسوء إدارة الموارد، لكن السنوات الأخيرة شهدت تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات الحوكمة.
كما أحرزت دول مثل غينيا وغانا والكونغو ونيجيريا وتنزانيا تقدمًا في مؤشر حوكمة الموارد لعام 2021، كما أظهر تقييم مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية لعام 2024 نتائج إيجابية.
وتمنح هذه التحولات الشركات الأمريكية بيئة أكثر أمانًا للعمل والاستثمار، وتفتح المجال لشراكات قائمة على الاستدامة والمسؤولية.
تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة متماسكة للاستفادة من الفرص، تُدمج بين الجهد الدبلوماسي والاقتصادي والقطاع الخاص.
ويمكن تلخيص الخطوات الأساسية في ست توصيات؛ منها، إدماج دبلوماسية المعادن في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في ظل دخول منافسين مثل الصين والهند والسعودية والاتحاد الأوروبي بقوة إلى قطاع التعدين الأفريقي.
إضافة إلى تنسيق الجهود بين الوكالات الأمريكية مثل مؤسسة تمويل التنمية، وزارة التجارة، هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ووزارة الخارجية، لتشكيل منصة موحدة تدعم التعاون مع الدول الأفريقية.
وتفعيل دور هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بالشراكة مع الجامعات والشركات لتوفير بيانات دقيقة عن الرواسب المعدنية وجودتها.
وتعزيز دور القطاع الخاص في تقييم المخاطر والفرص الاستثمارية وتحديد احتياجات الدعم، من ضمانات تمويلية إلى إزالة العوائق التجارية.
والاستفادة من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية لتوفير التمويل الميسر والدعم الفني لمشاريع التعدين والبنية التحتية.
ومعالجة المعادن داخل أفريقيا بدلاً من إرسالها إلى الصين، ما يمنح الدول الأفريقية قيمة مضافة، ويقلل اعتماد الولايات المتحدة على منافسها الاستراتيجي.
يمثل ممر لوبيتو مثالًا بارزًا على التعاون بين الولايات المتحدة وأفريقيا؛ فقد استُثمر أكثر من 3 مليارات دولار في مشاريع السكك الحديدية والطاقة والخدمات اللوجستية لدعم نقل المعادن الحيوية من زامبيا والكونغو إلى الأسواق العالمية.
ومع ذلك، لا تزال مشاركة شركات التعدين الأمريكية أقل من المطلوب، ما يترك المجال مفتوحًا أمام منافسين دوليين.
يمكن للشركات الأمريكية الاستحواذ على مناجم قائمة تعاني من ضعف في الأداء البيئي والاجتماعي، وإعادة تشغيلها وفقًا للمعايير الدولية، بما يحمي المجتمعات ويعزز الاستدامة.
كما يمكن لهذه الشركات أن تلعب دورًا محوريًّا في بناء منشآت المعالجة داخل أفريقيا، ما يعزز سلاسل القيمة المحلية ويمنح الولايات المتحدة موردًا أكثر أمانًا واستقرارًا.
أصبحت المعادن الحيوية عنصرًا أساسيًّا في سباق التكنولوجيا والطاقة النظيفة والأمن القومي. وفي هذا السياق، تمثل أفريقيا الحل الأكثر واقعية وسرعة للولايات المتحدة لتأمين احتياجاتها، شريطة أن تعتمد واشنطن استراتيجية واضحة وشراكات عادلة ومستدامة.
فالتعاون مع أفريقيا ليس مجرد خيار اقتصادي، بل ضرورة استراتيجية تضع القارة في قلب التوازن العالمي الجديد بين القوى الكبرى.