في تمرد نادر من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ضد البيت الأبيض، أقر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الذي يفرض قيودًا صارمة على قدرة الرئيس دونالد ترامب على سحب القوات الأمريكية من أوروبا.
وتوجه هذه الخطوة انتقادا صريحا لاستراتيجية ترامب الأمنية الجديدة التي تنتقد الحلفاء الأوروبيين بحدة وتصفهم بأنهم في "انحدار ثقافي".
القانون، الذي من المقرر التصويت عليه هذا الأسبوع، يضع حدًا أدنى صارمًا عند 76 ألف جندي أمريكي في أوروبا، ويمنع البنتاغون من تخفيض هذا العدد لأكثر من 45 يومًا دون الحصول على موافقة الكونغرس وتقديم تقييمات أمنية شاملة.
ويمثل القانون صفعة مباشرة لإدارة ترامب، التي تسعى لتقليص الوجود العسكري الأمريكي في القارة الأوروبية، وفق مجلة "بوليتيكو".
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن قادة القانون هم جمهوريون بارزون: السيناتور روجر ويكر، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، والنائب مايك روجرز، رئيس نظيرتها في مجلس النواب.
الاثنان انشقا علنًا عن توجهات البيت الأبيض، محذرين من أن تخفيض القوات الأمريكية في أوروبا - مثل القرار الأخير بسحب لواء جيش دوري من رومانيا - سيكون بمثابة "دعوة للعدوان الروسي".
النسخة النهائية من القانون، التي جاءت بعد أسابيع من المفاوضات بين قيادات مجلسي النواب والشيوخ من الحزبين، ورؤساء لجان الخدمات المسلحة والبيت الأبيض، تتعارض بشكل صارخ مع استراتيجية الأمن القومي التي أصدرها ترامب مؤخرًا، والتي تنتقد بشدة الحلفاء الأوروبيين وتشير إلى أن القارة في حالة انحدار ثقافي.
بموجب القانون، يُمنع البنتاغون من خفض عدد القوات المتمركزة بشكل دائم أو المنتشرة في أوروبا إلى ما دون 76 ألف جندي لأكثر من 45 يومًا، ما لم يشهد وزير الحرب بيت هيغسيث ورئيس القيادة الأوروبية الأمريكية أمام الكونغرس بأن هذا التخفيض يخدم المصالح الأمنية الوطنية للولايات المتحدة، وأن حلفاء الناتو تمت استشارتهم.
كما يجب عليهما تقديم تقييمات شاملة لتأثير هذا القرار على الأمن الأوروبي والأمريكي.
ويطبق القانون الشروط ذاتها لمنع الولايات المتحدة من التخلي عن دور القائد الأعلى لحلف الناتو في أوروبا، وهو منصب يشغله الضابط الأمريكي الذي يقود القيادة الأوروبية منذ عقود.
القيود لم تقتصر على أوروبا، فالمفاوضون أدرجوا قيودًا مماثلة على تخفيض عدد القوات في شبه الجزيرة الكورية إلى ما دون 28,500 جندي، وهو بند وافق عليه مجلس الشيوخ في الأصل، ما يعكس قلقًا من الحزبين من أن إدارة ترامب قد تسعى لتقليص الوجود العسكري الأمريكي في آسيا أيضًا.
وفي تحدٍ آخر للبيت الأبيض، وافق المشرعون على زيادة طفيفة في ميزانية الدفاع، بإضافة 8 مليارات دولار فوق طلب ترامب البالغ 893 مليار دولار، ليصل الإجمالي إلى حوالي 901 مليار دولار للبنتاغون، وتطوير الأسلحة النووية، وبرامج الأمن القومي الأخرى.
مشروع قانون الدفاع الذي أقره مجلس النواب طابق طلب ميزانية ترامب، بينما اقترح مشروع مجلس الشيوخ زيادة بقيمة 32 مليار دولار.
ووافق الجمهوريون بشكل منفصل على زيادة متعددة السنوات بقيمة 150 مليار دولار للبنتاغون من خلال مشروع قانون التخفيضات الضريبية والإنفاق الضخم في وقت سابق من هذا العام.
وقال أحد مساعدي القيادة الجمهورية في مجلس النواب، الذي لم يكشف عن هويته، إن الحد الأعلى المعدل هو "زيادة مسؤولة ماليًا تلبي احتياجاتنا الدفاعية".
القانون يلغي أيضًا قانونين قديمين يصرحان بالعمل العسكري في الشرق الأوسط، بما في ذلك تشريع 2002 الذي سبق غزو العراق، وحرب الخليج عام 1991.
وكانت هذه الإلغاءات مدرجة في مشاريع قوانين الدفاع في كل من مجلسي النواب والشيوخ، حيث تغلب الدعم من الحزبين لإلغاء القوانين القديمة، التي يزعم النقاد أنه يمكن لرئيس أن يسيء استخدامها، على معارضة بعض كبار الجمهوريين.
ويعد إلغاء هذه الإجراءات التي يعود تاريخها لعقود انتصارا لمنتقدي صلاحيات الحرب الرئاسية الواسعة، الذين جادلوا بأن هذه الإجراءات لم تعد ضرورية.
وأشاروا إلى إمكانية إساءة الاستخدام، مستشهدين باستخدام ترامب تفويض العراق العام 2002 لتبرير ضربة قتلت القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في العراق العام 2020.
أحد مساعدي القيادة الجمهورية في مجلس النواب قال إن إلغاء تفويضي العراق لن يؤثر على سلطة ترامب كقائد أعلى للقوات المسلحة، لكن الإلغاء هو في نهاية المطاف انتصار بسيط للمشرعين الذين يسعون لاستعادة سلطة الكونغرس.
ولا يزال تفويض ما بعد 11 سبتمبر 2001 الذي يدعم الكثير من عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية حول العالم ساري المفعول.
ولم يتطرق مشروع القانون إلى حملة ترامب المستمرة ضد السفن المزعومة لتهريب المخدرات في منطقة البحر الكاريبي.
ومع ذلك فإن كثيرا من المشرعين - بما في ذلك بعض الجمهوريين - شككوا في التبرير القانوني للإدارة للضربات القاتلة.
عادة يمر قانون تفويض الدفاع الوطني بدعم واسع من الحزبين، لكن رئيس مجلس النواب مايك جونسون سيحتاج على الأرجح لاستعادة بعض الديمقراطيين الذين عارضوا مشروع القانون الأولي لليمين المتطرف الذي اقترحه الجمهوريون في مجلس النواب في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وسيتعين على رئيس المجلس التعامل مع زملائه الجمهوريين المستائين من عدم إدراج أولوياتهم.
لكن مشروعي قانوني الدفاع اللذين أقرهما مجلسا النواب والشيوخ عكسا مخاوف من الحزبين من أن إدارة ترامب ستسعى لتقليص البصمة العسكرية الأمريكية في أوروبا بشكل كبير.
وتضمّن كلا الإجراءين لغة تفرض متطلبات يجب على البنتاغون الوفاء بها قبل خفض مستويات الأفراد العسكريين في القارة إلى ما دون عتبات معينة.
الرسالة من الكونغرس واضحة: أوروبا خط أحمر، والوجود العسكري الأمريكي هناك ليس قرارًا رئاسيًا فرديًا، بل مسألة أمن قومي تتطلب موافقة ممثلي الشعب الأمريكي.