أثار قادة عسكريون كبار خلال الأسابيع الأخيرة مخاوف عميقة حول إستراتيجية الدفاع الوطني التي أعاد وزير الدفاع بيت هيغسيث تصميمها، وسط توتر متزايد بين القيادة السياسية والعسكرية في البنتاغون، وفق تقارير "واشنطن بوست".
ويأتي هذا الانقسام في وقت تستعد فيه إدارة ترامب لولاية ثانية، مع إعادة ترتيب أولويات القوات المسلحة الأمريكية بما يتوافق مع شعار الرئيس "أمريكا أولًا".
وبحسب مسؤولين مطلعين تحدثوا إلى "واشنطن بوست"، بلغ التوتر ذروته في قمة غير معتادة عقدت يوم الثلاثاء في قاعدة مشاة البحرية كوانتيكو بفيرجينيا، حيث حضر الرئيس ترامب، واستدعى هيغسيث كبار الجنرالات والأدميرالات لمناقشة "المعايير العسكرية وأخلاقيات المحارب".
وصف الحاضرون القمة بأنها استثنائية، وأشاروا إلى شعور متزايد بالإحباط لدى بعض القادة العسكريين تجاه خطة تعتبر قصيرة النظر وغير متوافقة مع التحديات العالمية الراهنة.
ركزت معظم الانتقادات الداخلية على ما وصفه الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بـ"التركيز المفرط على التهديدات داخل الأراضي الأمريكية، على حساب المنافسة الإستراتيجية مع الصين".
وأبلغ كين قيادة البنتاغون العليا بمخاوفه الصريحة، ساعيًا للحفاظ على استعداد الجيش الأمريكي لردع أي تهديد من الصين، بما في ذلك احتمال مواجهة عسكرية مباشرة في المحيط الهادئ.
وتشير وثائق مسربة إلى أن إستراتيجية هيغسيث أعادت رسم أولويات البنتاغون بطريقة تقلص الالتزامات الأمريكية في أوروبا وأفريقيا، بينما تعزز الدور العسكري القريب من الوطن، بما يشمل نشر القوات لمهام داخلية غير تقليدية، مثل: دعم جهود إنفاذ قوانين الهجرة، ومكافحة تهريب المخدرات.
وقد أثار هذا التوجه مخاوف حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، خصوصًا في أوروبا، في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا والانتهاكات الأخيرة للمجال الجوي لحلف شمال الأطلسي.
بالإضافة إلى إعادة ترتيب الأولويات، يقود هيغسيث عملية إصلاح هيكلية واسعة داخل القوات المسلحة، تشمل تخفيض أعداد الجنرالات والأدميرالات البالغ عددهم نحو 800 بنسبة 20%، وإعادة رسم خطوط القيادة القتالية الأمريكية.
وشملت الإقالات كبار الضباط، بمن في ذلك رئيسة العمليات البحرية، الأدميرال ليزا فرانشيتي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، الجنرال تشارلز كيو براون الابن، مع ملاحظة بعض المراقبين أن النساء تأثرن بشكل ملحوظ جرّاء هذه الإجراءات.
كما تتناول الوثيقة المؤقتة التي سُرّبت سابقًا نهجًا جديدًا لاستخدام القوات الأمريكية في الداخل، حيث يُطلب من الجيش مساعدة سلطات الهجرة والجمارك، وتأمين الحدود، ومواجهة تهريب المخدرات والهجرة غير القانونية؛ ما أثار جدلًا قانونيًّا داخليًّا.
وفي حين يظل جزء كبير من الإستراتيجية مكرسًا للتعامل مع الصين، إلا أن تركيزها الأساسي على تايوان وتهديدات محدودة للموارد الأمريكية الداخلية يثير قلق عدد من القادة العسكريين بشأن استدامة القوة الأمريكية عالميًّا، بحسب مصادر تحدثت إلى "واشنطن بوست".
ووفقًا لمسؤولين سابقين، فإن القلق الأساسي يتمثل في أن الإستراتيجية قد لا تكون "مدروسة بشكل جيد" وتهدف إلى تعزيز أهداف سياسية قصيرة الأمد، بدلًا من تأمين مصالح الولايات المتحدة طويلة المدى في الخارج والداخل على حد سواء.
يبقى السؤال الأكبر حول ما إذا كان البنتاغون، تحت إدارة هيغسيث وقيادة ترامب الثانية، قادرًا على التوازن بين التركيز على الدفاع الوطني والالتزامات الدولية، أم أن الانقسامات الداخلية ستقود إلى إعادة هيكلة الجيش الأمريكي بشكل يعيد تعريف دوره عالميًّا.
